مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

قوله تعالى : { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا }

تقريرا للتوحيد وإبطالا للإشراك ، وقوله : { أرأيتم } المراد منه أخبروني ، لأن الاستفهام يستدعي جوابا ، يقول القائل أرأيت ماذا فعل زيد ؟ فيقول السامع باع أو اشترى ، ولولا تضمنه معنى أخبرني وإلا لما كان الجواب إلا قوله لا أو نعم ، وقوله : { شركاءكم } إنما أضاف الشركاء إليهم من حيث إن الأصنام في الحقيقة لم تكن شركاء لله ، وإنما هم جعلوها شركاء ، فقال شركاءكم ، أي الشركاء بجعلكم ويحتمل أن يقال شركاءكم ، أي شركاءكم في النار لقوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } وهو قريب ، ويحتمل أن يقال هو بعيد لاتفاق المفسرين على الأول وقوله : { أروني } بدل عن { أرأيتم } لأن كليهما يفيد معنى أخبروني ، ويحتمل أن يقال قوله : { أرأيتم } استفهام حقيقي و { أروني } أمر تعجيز للتبيين ، فلما قال : { أرأيتم } يعني أعلمتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة ، فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها ؟ وإن كان وقع لكم أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء هي ، أهي في الأرض ، كما قال بعضهم : إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض ، وهم الذين قالوا أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها ؟ أم هي في السموات ، كما قال بعضهم : إن السماء خلقت باستعانة الملائكة والملائكة شركاء في خلق السموات ، وهذه الأصنام صورها ؟ أم قدرتها في الشفاعة لكم ، كما قال بعضهم إن الملائكة ما خلقوا شيئا ولكنهم مقربون عند الله فنعبدها ليشفعوا لنا ، فهل معهم كتاب من الله فيه إذنه لهم بالشفاعة ؟ وقوله : { أم آتيناهم كتابا } في العائد إليه الضمير وجهان أحدهما : أنه عائد إلى الشركاء ، أي هل أتينا الشركاء كتابا وثانيهما : أنه عائد إلى المشركين ، أي هل آتينا المشركين كتابا وعلى الأول فمعناه ما ذكرنا ، أي هل مع ما جعل شريكا كتاب من الله فيه أن له شفاعة عند الله ، فإن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه ، وعلى الثاني معناه أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل لمن يعبد من لم يخلق من الأرض جزءا من الأجزاء ولا في السماء شيئا من الأشياء ، وإما بالنقل ونحن ما آتينا المشركين كتابا فيه أمرنا بالسجود لهؤلاء ولو أمرنا لجاز كما أمرنا بالسجود لآدم وإلى جهة الكعبة ، فهذه العبادة لا عقلية ولا نقلية فوعد بعضهم بعضا ليس إلا غرورا غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام .