اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

قوله : { أَرَأَيْتُم } فيها وجهان :

أحدهما : أنها ألف استفهام على بابها ولم تتضمن هذه الكملة معنى أَخْبِرُوني بل هو استفهام حقيقي وقوله : «أَرُوني » أمر تعجيز .

والثاني : أَنَّ الاستفهام غير مراد وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبرُونِي . فعلى هذا يتعدى لاثنين :

أحدهم : شُرَكَاءَكُمْ

والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله «مَاذَا خَلَقُوا »{[45504]} وَ «أَرُوِني » يحتمل أن تكون جملة اعتراضية .

والثاني : أن تكون المسألة من باب الإعمال فَإنَّ «أَرَأَيتُمْ » يطلب «مَاذَا خَلَقُوا » مفعولاً ثانياً و «أَ رُونِي » أيضاً يطلبه معلقاً له وتكون المسألة من باب إعمال الثاني على مُخْتَارِ{[45505]} البَصْرِيِّن{[45506]} ، و «أَرُوني » هنا بصريَّة تعدت للثاني بهمزة النقل والبصرية قبل النقل تعلق بالاستفهام كقولهم : «أَمَا تَرَى أيّ بَرْق هَهُنا »{[45507]} وقد تقدم الكلام على ( أن ){[45508]} «أَرأَيْتُمْ » هذه في الأنعام{[45509]} وقال ابن{[45510]} عطية هنا : «أرأيتم » ينزل{[45511]} عند سيبويه منزلة أخبروني{[45512]} ولذلك لا يحتاج إلى مفعولين . وهو غلط بل يحتاج كما تقدم تقريره . وجعل الزمخشري الجملة من قوله «أَرُوني » بدلاً من قوله : «أرَأيتُمْ » قال : لأن المعنى أرأيتم أخبروني{[45513]} وردَّهُ أبو حيان بأن البدل إذا دخلت عليه أداة الاستفهام ( لا ){[45514]} يلزم إعادتها في المبدل ولم تعد هنا وأيضاً فإبدال جملة من جملة لم يعهد في لسانهم{[45515]} قال شهاب الدين : والجواب عن الأول أن الاستفهام فيه غير مراد قطعاً فلم تعد أداته{[45516]} ، وأما قوله : لم يوجد في لسانهم فقد وجد{[45517]} ومنه :

4163- مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بِنَا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[45518]}

( و ){[45519]} :

4416- إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أنْ تُبَايِعَا . . . تُؤْخَذَ كَرْهاً وَتُجِيبَ طَائِعاً{[45520]}

وقد نص النحويون على أنه متى كانت{[45521]} الجملة في معنى الأول ومبينة لها أبدلت منها .

فصل

هذه الآية تقرير للتوحيد وإبطال للإشراك والمعنى جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَائي بزعمكم يعني الأصنام «أرُوني » أخبروني «ماذا خلقوا من الأرض » فقال : «شركاءكم »{[45522]} فأضافهم إليهم من حيث إنَّ الأصنامَ في الحقيقة لم تكن شركاء لله وإنما هم الذين جعلوها شركاء فقال شركاءكم أي الشركاء بجعلكم .

ويحتمل أن يقال : معنى شركاءكم أي { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ويحتمل أن يكون معنى «أرأيتم » أي أعلمتم هذه الأصنام التي تدعونها هل لها قدرة أم لا ؟ فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها ؟ وإن كنتم تعلمن أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء أهي في الأرض قال بعضهم : إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض{[45523]} وهم الذين قالوا : أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها أم هي في السموات كما قال بعضهم : إن السموات خلقت باستعانة الملائكة شركاء في خلق السموات وهذه الأصنام صورها أم قدرتها في الشفاعة لكم كما قال بعضهم : «إنما نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى » فهل معهم كتاب من الله ؟ قال مقاتل : هل أعطينا كفار مكة كتاباً فهم على{[45524]} بينة منه ؟

قوله : { آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ } الأحسن في هذا الضمير أن يعود على «الشُّرَكَاء » ليتناسق{[45525]} الضمائر وقيل : يعود على المشركين كقول مقاتل فيكون التفاتاً من خطاب إلى غيبة{[45526]} وقرأ أبُو عمرو وحمزةُ وابنُ كثير وحفصٌ بيِّنة بالإفراد والباقون بيِّنَات{[45527]} بالجمع أي دلائل واضحة منه مِمَّا{[45528]} في ذلك الكتاب من ضُرُوبِ البَيَانِ .

قوله : { بَلْ إِن يَعِدُ } «إن » نافية والمعنى مايعد الظالمون { بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام . والغرورو ما يغر الإنسان ما لا أصل له ، قال مقاتل : يعني{[45529]} ما يَعِدُ{[45530]} الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة في الآخرة غرور باطل{[45531]} .


[45504]:نقله السمين في الدر 4/486 و 487 عن البحر لأبي حيان 7/317 .
[45505]:في ((ب)): ((ما اختار البصريون)) بفعلية الجملة .
[45506]:وانظر: البحر والدر المرجعين السابقين .
[45507]:نقله السمين في الدر 4/487 .
[45508]:زيادة من ((أ)) لا معنى لها .
[45509]:عند قوله تعالى:{قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم من إله غير الله يأتيكم به} وهي الآية 46 .
[45510]:البحر المحيط 7/317 .
[45511]:في ((ب)) منزل .
[45512]:قال سيبويه: ((ونقول: أين ترى عبد الله قائما وهل ترى زيدا ذاهبا؛ لأن هل وأين كأنك لم تذكرهما لأن ما بعدهما ابتداء، كأنك قلت: أترى زيدا ذاهبا وأتظن عمرا منطلقا. فإن قلت: أين وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة (فيها) إذا استغنى بها الابتداء قلت: أين ترى زيد ، وأين ترى زيدا)) الكتاب 1/121 .
[45513]:الكشاف 3/311 وفي ((ب)) كذلك .
[45514]:زيادة في ((أ)) عن المعنى المراد .
[45515]:انظر: البحر المحيط 7/317 .
[45516]:الدر المصون 4/487 .
[45517]:الدر المصون 4/487 .
[45518]:هذا جزء من بيت من الطويل لعبيد الله بن الحر أو الحطيئة وبقيته: .....................في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا والبيت من قصيدة قالها وهو في سجن مصعب بن الزبير، وهو يفتخر بقومه هؤلاء الذي عدهم بأنهم لا يطفئون النار، كناية عن الطعام الكثير للضيوف. والشاهد فيه ((تلمم)) هو وفاعله بدل مما قبله وهو جملة ((تأتنا)) وهذا إبدال جملة من جملة بدليل جزم الفعل ((تلمم)) كأنه أراد متى تلمم بنا، لأن الإتيان يشتمل عليه. وقد تقدم .
[45519]:زيادة يتم بها الكلام .
[45520]:من بحر الرجز وهو مجهول القائل. وشاهده كسابقه حيث أبدل جملة من جملة البدل وهو ((تؤخذ)) والمبدل منه ((تبايعا)) وكلا الفعلين فيهما ضمير مستتر من الفاعلية ونائب الفاعل .
[45521]:في ((ب)) كان وكلاهما صحيح .
[45522]:في ((ب)) شركاؤكم بالرفع .
[45523]:وانظر كل هذه المعاني في الفخر الرازي 26/32 .
[45524]:المرجع السابق .
[45525]:البحر 7/318 والسمين 4/487 .
[45526]:المرجع السابق .
[45527]:زاد المسير 6/496 والبحر المحيط 7/318 والسبعة 535 والإتحاف 362 وإبراز المعاني 657 والكشاف 3/312 بدون نسبة القرطبي 14/356 .
[45528]:في ((ب)) ما .
[45529]:في ((ب)) معنى .
[45530]:في ((ب)) ما يعده الشيطان .
[45531]:في ((ب)) غرور باطل .