قوله : { أَرَأَيْتُم } فيها وجهان :
أحدهما : أنها ألف استفهام على بابها ولم تتضمن هذه الكملة معنى أَخْبِرُوني بل هو استفهام حقيقي وقوله : «أَرُوني » أمر تعجيز .
والثاني : أَنَّ الاستفهام غير مراد وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبرُونِي . فعلى هذا يتعدى لاثنين :
والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله «مَاذَا خَلَقُوا »{[45504]} وَ «أَرُوِني » يحتمل أن تكون جملة اعتراضية .
والثاني : أن تكون المسألة من باب الإعمال فَإنَّ «أَرَأَيتُمْ » يطلب «مَاذَا خَلَقُوا » مفعولاً ثانياً و «أَ رُونِي » أيضاً يطلبه معلقاً له وتكون المسألة من باب إعمال الثاني على مُخْتَارِ{[45505]} البَصْرِيِّن{[45506]} ، و «أَرُوني » هنا بصريَّة تعدت للثاني بهمزة النقل والبصرية قبل النقل تعلق بالاستفهام كقولهم : «أَمَا تَرَى أيّ بَرْق هَهُنا »{[45507]} وقد تقدم الكلام على ( أن ){[45508]} «أَرأَيْتُمْ » هذه في الأنعام{[45509]} وقال ابن{[45510]} عطية هنا : «أرأيتم » ينزل{[45511]} عند سيبويه منزلة أخبروني{[45512]} ولذلك لا يحتاج إلى مفعولين . وهو غلط بل يحتاج كما تقدم تقريره . وجعل الزمخشري الجملة من قوله «أَرُوني » بدلاً من قوله : «أرَأيتُمْ » قال : لأن المعنى أرأيتم أخبروني{[45513]} وردَّهُ أبو حيان بأن البدل إذا دخلت عليه أداة الاستفهام ( لا ){[45514]} يلزم إعادتها في المبدل ولم تعد هنا وأيضاً فإبدال جملة من جملة لم يعهد في لسانهم{[45515]} قال شهاب الدين : والجواب عن الأول أن الاستفهام فيه غير مراد قطعاً فلم تعد أداته{[45516]} ، وأما قوله : لم يوجد في لسانهم فقد وجد{[45517]} ومنه :
4163- مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بِنَا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[45518]}
( و ){[45519]} :
4416- إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أنْ تُبَايِعَا . . . تُؤْخَذَ كَرْهاً وَتُجِيبَ طَائِعاً{[45520]}
وقد نص النحويون على أنه متى كانت{[45521]} الجملة في معنى الأول ومبينة لها أبدلت منها .
هذه الآية تقرير للتوحيد وإبطال للإشراك والمعنى جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَائي بزعمكم يعني الأصنام «أرُوني » أخبروني «ماذا خلقوا من الأرض » فقال : «شركاءكم »{[45522]} فأضافهم إليهم من حيث إنَّ الأصنامَ في الحقيقة لم تكن شركاء لله وإنما هم الذين جعلوها شركاء فقال شركاءكم أي الشركاء بجعلكم .
ويحتمل أن يقال : معنى شركاءكم أي { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ويحتمل أن يكون معنى «أرأيتم » أي أعلمتم هذه الأصنام التي تدعونها هل لها قدرة أم لا ؟ فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها ؟ وإن كنتم تعلمن أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء أهي في الأرض قال بعضهم : إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض{[45523]} وهم الذين قالوا : أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها أم هي في السموات كما قال بعضهم : إن السموات خلقت باستعانة الملائكة شركاء في خلق السموات وهذه الأصنام صورها أم قدرتها في الشفاعة لكم كما قال بعضهم : «إنما نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى » فهل معهم كتاب من الله ؟ قال مقاتل : هل أعطينا كفار مكة كتاباً فهم على{[45524]} بينة منه ؟
قوله : { آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ } الأحسن في هذا الضمير أن يعود على «الشُّرَكَاء » ليتناسق{[45525]} الضمائر وقيل : يعود على المشركين كقول مقاتل فيكون التفاتاً من خطاب إلى غيبة{[45526]} وقرأ أبُو عمرو وحمزةُ وابنُ كثير وحفصٌ بيِّنة بالإفراد والباقون بيِّنَات{[45527]} بالجمع أي دلائل واضحة منه مِمَّا{[45528]} في ذلك الكتاب من ضُرُوبِ البَيَانِ .
قوله : { بَلْ إِن يَعِدُ } «إن » نافية والمعنى مايعد الظالمون { بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام . والغرورو ما يغر الإنسان ما لا أصل له ، قال مقاتل : يعني{[45529]} ما يَعِدُ{[45530]} الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة في الآخرة غرور باطل{[45531]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.