قوله تعالى : { وإذا ذكروا لا يذكرون ، وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، أو آباؤنا الأولون ، قل نعم وأنتم داخرون } .
اعلم أنه تعالى لما قرر الدليل القاطع في إثبات إمكان البعث والقيامة حكى عن المنكرين أشياء :
أولها : أن النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم يسخرون منه في إصراره على الإثبات ، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مع أولئك الأقوام كانوا في غاية التباعد وفي طرفي النقيض .
وثانيها قوله : { وإذا ذكروا لا يذكرون } ، وثالثها قوله : { وإذا رأوا آية يستسخرون } ويجب أن يكون المراد من هذا الثاني والثالث غير الأول لأن العطف يوجب التغاير ولأن التكرير خلاف الأصل ، والذي عندي في هذا الباب أن يقال القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون : من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه ؟ وبلغوا في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك فلا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد عنهم إلا من وجهين أحدهما : أن يذكر لهم الدليل الدال على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم : هل تعلمون أن خلق السموات والأرض أشد وأصعب من إعادة إنسان بعد موته ؟ وهل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق يجب أن يكون قادرا على الأسهل الأيسر ؟ فهذا الدليل وإن كان جليا قويا إلا أن أولئك المنكرين إذا عرض على عقولهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها ، وإذا ذكروا لم يذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم ، فلا جرم لم ينتفعوا بهذا النوع من البيان .
الطريق الثاني : أن يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم جهة رسالته بالمعجزات ثم يقول لما ثبت بالمعجز كوني رسولا صادقا من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حق ، ثم إن أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضا لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة وآية باهرة حملوها على كونها سحرا وسخروا بها واستهزؤا منها وهذا هو المراد من قوله : { وإذا رأوا آية يستسخرون } فظهر بالبيان الذي ذكرناه أن هذه الألفاظ الثلاثة منبهة على هذه الفوائد الجليلة .
واعلم أن أكثر الناس لم يقفوا على هذه الدقائق ، فقالوا إنه تعالى قال : { بل عجبت ويسخرون } .
ثم قال : { وإذا رأوا آية يستسخرون } فوجب أن يكون المراد من قوله : { يستسخرون } غير ما تقدم ذكه من قوله : { ويسخرون } فقال هذا القائل المراد من قوله : { ويسخرون } إقدامهم على السخرية والمراد من قوله : { يستسخرون } طلب كل واحد منهم من صاحبه أن يقدم على السخرية وهذا التكليف إنما لزمهم لعدم وقوفهم على الفوائد لتي ذكرناها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.