تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ ءَايَةٗ يَسۡتَسۡخِرُونَ} (14)

الآية 14 وقوله تعالى : { وإذا رأوا آية يستسخرون } هذه الآيات وأمثالها ذكرها ، والله أعلم ، لقوم ، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا : { بل عجبت ويسخرون } { وإذا ذُكّروا لا يذكرون } { وإذا رأوا آية يستسخرون } { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين } [ { أءذا متنا وكنا ترابا أءنا لمبعوثون } { أوَ آباؤنا الأولون } ]{[17662]} يخبر عن عنادهم ومكابرتهم الآيات ، ويذكر سفههم .

ثم في ذكر ما ذكر من عنادهم وسفههم وجعله آيات القرآن تتلى أبدا وجهان من الحكمة :

أحدهما : صيّر ذلك آية لرسالته صلى الله عليه وسلم لأنه معلوم أنهم كانوا على [ ما ]{[17663]} أخبر منهم من العناد والسّفه ، وعلى ذلك ختموا ، وقُبضوا . دل أنه بالله عرف ذلك ، وبوحيه علم ، والله أعلم .

والثاني : يخبر ، والله أعلم ، على ما رأى سلفُنا من سفه أولئك وعنادهم وما قاسوا منهم وما لحق بهم من الأذى والضرر والسوء لئلا يضيق صدرنا من سفه من تسفّه علينا من أهل الفساد والفسق ، وألا نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسفه السفيه ولا لأذى المؤذي ولا لسوء{[17664]} يقال .

بل يجب علينا أن نتأسّى بسلفنا ، ونقتدي بهم ، وإذا أصابنا منهم ما أصاب أولئك من الأذى والسّفه ، وإن عاندوا ، وكابروا ، وظهر{[17665]} منهم كل فسق وسوء على ما فعل أولئك ، واحتملوا منهم ما كرهوا ، نحمل من سفهائنا مثله ، والله أعلم ، ولو{[17666]} لم يكن في ذكر{[17667]} سفههم وعنادهم ما ذكرنا من الحكمة لكان لا معنى لذكر سفه أولئك وعنادهم .

وجائز /451-أ أن يكون الشيء سفها باطلا في نفسه ، ويكون حكمة دليلا لغيره ، والله أعلم ، على ما قال بعض الناس : إن الكذب نفسه ، يحسبون أن يكون دليل الصدق ، وكلام السفه والباطل دليل الصدق والحكمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإذا رأوا آية يستسخرون } أي وإذا أنزل عليهم آية على سؤال منهم يسخرون ، ويستهزئون ، يخبر عن سفههم أنهم ، وإن سألوا الآيات فإنهم لا يسألون سؤال استرشاد ، ولكن سؤال عناد وهُزء كقوله عز وجل : { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون } { لقالوا إنما سُكّرت أبصارنا } [ الحجر : 14 و15 ] وكقوله : { ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } [ الأنعام : 111 ] .


[17662]:في الأصل و م: إلى آخر ما ذكر.
[17663]:ساقطة من الأصل وم
[17664]:. في الأصل و م: سوء.
[17665]:في الأصل و م: وظهروا.
[17666]:في الأصل وم: وإلا.
[17667]:أدرج بعدها في الأصل وم: من.