مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِزِينَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ} (6)

قوله تعالى : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد ، لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ، ولهم عذاب واصب ، إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } في الآية مسائل :

المسألة الأولى : قرأ حمزة وحفص عن عاصم زينة منونة الكواكب بالجر وهو قراءة مسروق بن الأجدع ، قال الفراء وهو رد معرفة على نكرة كما قال : { بالناصية ناصية } [ العلق : 15 ، 16 ] فرد نكرة على معرفة وقال الزجاج : الكواكب بدل من الزينة ، لأنها هي كما تقول مررت بأبي عبد الله زيد . وقرأ عاصم بالتنوين في الزينة ونصب الكواكب قال الفراء : يريد زينا الكواكب ، وقال الزجاج : يجوز أن تكون الكواكب في النصب بدلا من قوله بزينة ، لأن بزينة في موضع نصب وقرأ الباقون ( بزينة الكواكب ) بالجر على الإضافة .

المسألة الثانية : بين تعالى أنه زين السماء الدنيا ، وبين أنه إنما زينها لمنفعتين إحداهما : تحصيل الزينة والثانية : الحفظ من الشيطان المارد ، فوجب أن نحقق الكلام في هذه المطالب الثلاثة أما الأول : وهو تزيين السماء الدنيا بهذه الكواكب ، فلقائل أن يقول إنه ثبت في علم الهيئة أن هذه الثوابت مركوزة في الكرة الثامنة ، وأن السيارات الستة مركوزة في الكرات الست المحيطة بسماء الدنيا فكيف يصح قوله : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } والجواب أن الناس الساكنين على سطح كرة الأرض إذا نظروا إلى السماء فإنهم يشاهدونها مزينة بهذه الكواكب ، وعلى أنا قد بينا في علم الهيئة أن الفلاسفة لم يتم لهم دليل في بيان أن هذه الكواكب مركوزة في الفلك الثامن ، ولعلنا شرحنا هذا الكلام في تفسير سورة { تبارك الذي بيده الملك } في تفسير قوله تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } [ الملك : 5 ] ، وأما المطلوب الثاني : وهو كون هذه الكواكب زينة السماء الدنيا ففيه بحثان :

البحث الأول : أن الزينة مصدر كالنسبة واسم لما يزن به ، كالليقة اسم لما تلاق به الدواة قال صاحب الكشاف وقوله : { بزينة الكواكب } يحتملهما فإن أردت المصدر فعلى إضافته إلى الفاعل أي بأن زينتها الكواكب أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها ، لأنها إنما زينت السماء بحسنها في أنفسها ، وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان أن تقع الكواكب بيانا للزينة ، لأن الزينة قد تحصل بالكواكب وبغيرها ، وأن يراد ما زينت به الكواكب .

البحث الثاني : في بيان كيفية كون الكواكب زينة للسماء وجوه الأول : أن النور والضوء أحسن الصفات وأكملها ، فإن تحصل هذه الكواكب المشرقة المضيئة في سطح الفلك لا جرم بقي الضوء والنور في جرم الفلك بسبب حصول هذه الكواكب فيها قال ابن عباس : { بزينة الكواكب } أي بضوء الكواكب الوجه الثاني : يجوز أن يراد أشكالها المتناسبة المختلفة كشكل الجوزاء وبنات نعش والثريا وغيرها الوجه الثالث : يجوز أن يكون المراد بهذه الزينة كيفية طلوعها وغروبها الوجه الرابع : أن الإنسان إذا نظر في الليلة الظلماء إلى سطح الفلك ورأى هذه الجواهر الزواهر مشرقة لامعة متلألئة على ذلك السطح الأزرق ، فلا شك أنها أحسن الأشياء وأكملها في التركيب والجوهر ، وكل ذلك يفيد كون هذه الكواكب زينة .