مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (10)

ثم قال : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : وجه النظم أنه تعالى كما منع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا ، فكذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخصومات والمنازعات فقال : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } وهو إثابة المحقين فيه ومعاقبة المبطلين ، وقيل وما اختلفتم فيه من شيء وتنازعتم فتحاكموا فيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا تؤثر حكومة غيره على حكومته ، وقيل وما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا تصل بتكليفكم ، ولا طريق لكم إلى عمله كحقيقة الروح ، فقولوا الله أعلم به ، قال تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } .

المسألة الثانية : تقدير الآية كأنه قال : قل يا محمد { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } والدليل عليه قوله تعالى : { ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب } .

المسألة الثالثة : احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا قوله تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه ، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص الله عليه ، والثاني باطل لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثبتة بالقياس بأنه باطل فيعتبر الأول ، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالنص وذلك ينفي العمل بالقياس ، ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه يعرف من بيان الله تعالى ، سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس ؟ أجيب عنه بأن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف ، والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه ، فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نصوص الله تعالى .

ثم قال تعالى : { ذلكم الله ربي } أي ذلكم الحاكم بينكم هو ربي { عليه توكلت } في دفع كيد الأعداء وفي طلب كل خير { وإليه أنيب } أي وإليه أرجع في كل المهمات ، وقوله { عليه توكلت } يفيد الحصر ، أي لا أتوكل إلا عليه ، وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير الله وليا .