مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ} (7)

قوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير * ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير * وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب * فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير * له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم } .

واعلم أن كلمة ( ذلك ) للإشارة إلى شيء سبق ذكره فقوله { وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربيا } يقتضي تشبيه وحي الله بالقرآن بشيء هاهنا قد سبق ذكره ، وليس هاهنا شيء سبق ذكره يمكن تشبيه وحي القرآن به إلا قوله { والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل } يعني كما أوحينا إليك أنك لست حفيظا عليهم ولست وكيلا عليهم ، فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتكون نذيرا لهم وقوله تعالى : { لتنذر أم القرى } أي لتنذر أهل أم القرى لأن البلد لا تعقل وهو كقوله { واسأل القرية } وأم القرى أصل القرى وهي مكة وسميت بهذا الاسم إجلالا لها لأن فيها البيت ومقام إبراهيم ، والعرب تسمي أصل كل شيء أمة حتى يقال هذه القصيدة من أمهات قصائد فلان ، ومن حولها من أهل البدو والحضر وأهل المدر ، والإنذار التخويف ، فإن قيل فظاهر اللفظ يقتضي أن الله تعالى إنما أوحي إليه لينذر أهل مكة وأهل القرى المحيطة بمكة وهذا يقتضي أن يكون رسولا إليهم فقط وأن لا يكون رسولا إلى كل العالمين الجواب : أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما سواه ، فهذه الآية تدل على كونه رسولا إلى هؤلاء خاصة وقوله { وما أرسلناك إلا كافة للناس } يدل على كونه رسولا إلى كل العالمين ، أيضا لما ثبت كونه رسولا إلى أهل مكة وجب كونه صادقا ، ثم إنه نقل إلينا بالتواتر كان يدعي أنه رسول إلى كل العالمين ، والصادق إذا أخبر عن شيء وجب تصديقه فيه ، فثبت أنه رسول إلى كل العالمين .

ثم قال تعالى : { وتنذر يوم الجمع } الأصل أن يقال أنذرت فلانا بكذا فكان الواجب أن يقال لتنذر أم القرى بيوم الجمع وأيضا فيه إضمار والتقدير لتنذر أهل أم القرى بعذاب يوم الجمع وفي تسميته بيوم الجمع وجوه ( الأول ) أن الخلائق يجمعون فيه قال تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع } فيجتمع فيه أهل السموات من أهل الأرض ( الثاني ) أنه يجمع بين الأرواح والأجساد ( الثالث ) يجمع بين كل عامل وعمله ( الرابع ) يجمع بين الظالم والمظلوم وقوله { لا ريب فيه } صفة ليوم الجمع الذي لا ريب فيه ، وقوله { فريق في الجنة وفريق في السعير } تقديره ليوم الجمع الذي من صفته يكون القوم فيه فريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، فإن قيل قوله { يوم الجمع } يقتضي كون القوم مجتمعين وقوله { فريق في الجنة وفريق في السعير } يقتضي كونهم متفرقين ، والجمع بين الصفتين محال ، قلنا إنهم يجتمعون أولا ثم يصيرون فريقين .