مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا * محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا } .

تأكيدا لبيان صدق الله في رسوله الرؤيا ، وذلك لأنه لما كان مرسلا لرسوله ليهدي ، لا يريد ما لا يكون مهديا للناس فيظهر خلافه ، فيقع ذلك سببا للضلال ، ويحتمل وجوها أقوى من ذلك ، وهو أن الرؤيا بحيث توافق الواقع تقع لغير الرسل ، لكن رؤية الأشياء قبل وقوعها في اليقظة لا تقع لكل أحد فقال تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } وحكى له ما سيكون في اليقظة ، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه ، وفيها أيضا بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى : { ليظهره على الدين كله } أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة له و( الهدى ) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى : { أنزل فيه القرآن هدى للناس } وعلى هذا { دين الحق } هو ما فيه من الأصول والفروع ، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع ، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول و{ دين الحق } هو الأحكام ، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب ، والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدى ، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى : { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء } [ الزمر : 23 ] وهو إما القرآن لقوله تعالى : { كتابا متشابها مثاني تقشعر } [ الزمر : 23 ] إلى أن قال : { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء } وإما ما اتفق عليه الرسل لقوله تعالى : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } والكل من باب واحد لأن ما في القرآن موافق لما اتفق عليه الأنبياء وقوله تعالى : { ودين الحق } يحتمل وجوها : ( أحدها ) أن يكون الحق اسم الله تعالى فيكون كأنه قال : بالهدى ودين الله ، ( وثانيها ) أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال : ودين الأمر الحق ( وثالثها ) أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه { ليظهره } أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه { ليظهره على الدين كله } أي جنس الدين ، فينسخ الأديان دون دينه ، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله { ليظهره } راجعة إلى الرسول ، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان ، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للإظهار هو الله ، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق ، وقوله تعالى : { وكفى بالله شهيدا } أي في أنه رسول الله وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب ، وقالوا لا نعلم أنه رسول الله فلا تكتبوا محمد رسول الله بل اكتبوا محمد بن عبد الله ، فقال تعالى : { وكفى بالله شهيدا } في أنه رسول الله ، وفيه معنى لطيف وهو أن قول الله مع أنه كاف في كل شيء ، لكنه في الرسالة أظهر كفاية ، لأن الرسول لا يكون إلا بقول المرسل ، فإذا قال ملك هذا رسولي ، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي .