اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

قوله تعالى : { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى } وهذا تأكيد لبيان صدق في الرؤيا ؛ لأنه لما كان مرسلاً لرسوله{[51862]} ليهدي ، لا يريد ما لا يكون فيحدث{[51863]} الناس فيظهر خلافه فيكون ذلك سبباً للضلال . ويحتمل أن الرؤيا الموافقة للقواقع قد تقع لغير المرسل ، لكن ذلك قليل لا يقع لكل أحد فقال تعالى : { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى } وحكى له ما سيكون في اليقظة فلا يبعد أن يُرِيَه في المنام ما سيقع ولا استبعاد في صدق رؤياه وفيها بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة . والهدى يحتمل أن يكون هو القرآن كقوله تعالى : { أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ } [ البقرة : 185 ] وعلى هذا دين الحق هو ما فيه من الأصول والفروع . ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالمعجزة .

فيكون قوله : «وَدِينَ الحق » إشارة إلى ما شرع . ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصولَ ودين الحق هو الأحكام . والألف واللام في «الهدى » يحتمل أن تكون للعهد وهو كقوله : { ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ } [ الأنعام : 88 ] وأن تكون للتعريف أي كل ما هو هُدًى .

قوله : «وَدِينَ الْحَقِّ » يحتمل أن يكون المراد دين الله تعالى ؛ لأن الحق من أسماء الله ، ويحتمل أن يكون الحقُّ نقيضَ الباطل ، فكأنه قال : دين الأمر الحق ، ويحتمل أن يكون المراد الانقياد للحق ، وقوله : أرسله بالهدى وهو المعجزة على أحد الوجوه { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } أي جنس الدين { وكفى بالله شَهِيداً } على أنك صادق فيما تخبر وفي أنك رسول الله . وهذا في تسلية قلب المؤمنين فإنهم تأَذوا{[51864]} من ردِّ الكفَّار عليهم العهد المكتوب وقالوا : لا نعلم أنه رسول الله فلا تكتبوا محمد رسول الله ، بل اكتبوا محمد بن عبد الله ، فقال تعالى : { وكفى بالله شَهِيداً } أي في أنه رسول الله{[51865]} .


[51862]:في ب رسوله من دون لام.
[51863]:كذا في ب وفي الرازي: مهديا للناس.
[51864]:في ب يؤذوا. تحريف.
[51865]:وانظر الرازي 28/106.