السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

وقوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله } أي : الذي لا رسول أحق منه بإضافته إليه { بالهدى } أي : الكامل الذي يقتضي أن يهتدي به أكثر الناس تأكيداً لبيان صدق الله تعالى للرّؤيا لأنه لما كان مرسلاً لرسوله ليهدي لا يريه ما لا يكون فيحدث الناس فيظهر خلافه فيكون ذلك سبباً للضلال .

فإن قيل : الرؤيا للواقع قد تقع لغير المرسل أجيب : بأنّ ذلك قليل لا يقع لكل أحد تنبيه الهدي يحتمل أن يكون هو القرآن كقوله تعالى : { أنزل فيه القرآن هدى للناس } [ البقرة : 185 ] وعلى هذا قوله تعالى : { ودين الحق } هو ما فيه من الأصول والفروع ويحتمل أن يكون الهدي هو المعجزة أي أرسله بالمعجزة فيكون قوله تعالى { ودين الحق } إشارة إلى ما شرع والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى : { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء } وأن تكون للتعريف أي كل ما هو هدى تنبيه دين الحق يحتمل أن يكون المراد دين الله لأنّ الحق من أسماء الله تعالى ويحتمل أن يكون الحق نقيض الباطل فكأنه قال ودين الأمر الحق { ليظهره } أي : دينه { على الدين كله } أي : جميع باقي الأديان { وكفى بالله } أي : الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال { شهيداً } أي : على أنك مرسل بما ذكر كما قال تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } .