تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

الآية 28 وقوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } أي أرسله بالهدى من كل ضلالة أو حيرة ، أو أرسله بالبيان من كل عمًى وشُبهة ، وهو هذا القرآن الذي سمّاه مرة هدًى [ ومرة رحمةً ومرة نورًا ]{[19611]} ونحو ذلك ، وهو ما وصفه عز وجل أن من تمسّك به فيكون ما ذكر هدى من كل ضلالة وحيرة ، ونورا من كل ظلمة ويبانا من كل عمى وشبهة ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { ودين الحق } جائز أن يكون { الحق } هو نعت الدين ، وهو الإسلام ، وهو الدين الحق ، وسائر الأديان باطلة .

ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { ودين الحق } أي دين الإله الذي هو الإله الحق ، وهو الإله المستحق الألوهية ، وغيره من الأديان دين الشيطان ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { ليُظهره على الدين كله } الإظهار هو الغلبة ، ثم تُخرّج غلبته { على الدين كله } على وجهين :

أحدهما : أي غلب هذا الدين على الأديان كلها بالحُجج والبراهين أنه وأنه من عند الله جاء . وقد كان بحمد الله كما ذُكر حتى عرف أهل الأديان كلها بالحجج والبراهين أنه حق إلا من كابر عقله ، وعاند الحق ، أو غفل عن دلالته ، ولا قوة إلا بالله .

والثاني : يغلب على أهل الأديان كلهم حتى يصير أهل الإسلام ظاهرين غالبين من بين غيرهم . ويتوارى جميع أهل الأديان ، ويختفون . ولكن ذلك في وقت دون وقت ، وهو الوقت الذي ذكره أهل التأويل ، وهو في وقت خروج عيسى عليه السلام يصير أهل الأديان كلهم أهل دين واحد ، وهو الإسلام .

وجائز أن يكون قوله : { ليُظهره على الدين كله } [ أي يظهر ما يحتاج أهل هذا الدين كله ]{[19612]} ما يحدث لهم من الحاجة على الأديان كلها بما ضمّن في القرآن معاني تقع الكفاية بها في الحوادث كلها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكفى بالله شهيدا } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : { وكفى بالله شهيدا } بأن ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنما{[19613]} جاء به من عند الله . فإن كان التأويل هذا فإنما تكون هذه الشهادة في الآخرة .

والثاني : يحتمل قوله تعالى : { وكفى بالله شهيدا } بما أنشأ له من الآيات والحجج شهادة منه على رسالته ونبوته . وذلك في الدنيا ، والله أعلم .


[19611]:في الأصل وم: ورحمة ونورا.
[19612]:من م، ساقطة من الأصل.
[19613]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: أي بما.