مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (30)

قوله تعالى : { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم } .

لما كان مفهوم قوله { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم } أن الله يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم كأن قائلا قال فلم لم يظهر فقال أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم ، كما لا تفشى أسرار الأكابر خوفا منهم { ولو نشاء لأريناكهم } أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف ، وقوله { فلتعرفنهم } لزيادة فائدة ، وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزمه المعرفة ، يقال عرفته ولم يعرف وفهمته ولم يفهم فقال هاهنا { فلعرفتهم } يعني عرفناهم تعريفا تعرفهم به ، إشارة إلى قوة التعريف ، واللام في قوله { فلعرفتهم } هي التي تقع في جزاء لو كما في قوله { لأريناكهم } أدخلت على المعرفة إشارة إلى أن المعرفة كالمرتبة على المشيئة كأنه قال : ولو نشاء لعرفتهم ، ليفهم أن المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف ، أي لو نشاء لعرفناك تعريفا معه المعرفة لا بعده ، وأما اللام في قوله تعالى : { ولتعرفنهم } جواب لقسم محذوف كأنه قال ولتعرفنهم والله ، وقوله { في لحن القول } فيه وجوه ( أحدها ) في معنى القول وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد من القول قولهم أي لتعرفنهم في معنى قولهم حيث يقولون ما معناه النفاق كقولهم حين مجيء النصر إنا كنا معكم ، وقولهم { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن } وقولهم { إن بيوتنا عورة } وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد قول الله عز وجل أي لتعرفنهم في معنى قول الله تعالى حيث قال ما تعلم منه حال المنافقين كقوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا } وقوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } إلى غير ذلك ، ( وثانيها ) في ميل القول عن الصواب حيث قالوا ما لم يعتقدوا ، فأمالوا كلامهم حيث قالوا { نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } وقالوا { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } ، { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } إلى غير ذلك ( وثالثها ) في لحن القول أي في الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي عليه السلام ولا يفهمه غيره ، وهذا يحتمل أمرين أيضا والنبي عليه السلام كان يعرف المنافق ولم يكن يظهر أمره إلى أن أذن الله تعالى له في إظهار أمرهم ومنع من الصلاة على جنائزهم والقيام على قبورهم ، وأما قوله { بسيماهم } فالظاهر أن المراد أن الله تعالى لو شاء لجعل على وجوههم علامة أو يمسخهم كما قال تعالى : { ولو نشاء لمسخناهم } وروي أن جماعة منهم أصبحوا وعلى جباههم مكتوب هذا منافق ، وقوله تعالى : { والله يعلم أعمالكم } وعد للمؤمنين ، وبيان لكون حالهم على خلاف حال المنافق ، فإن المنافق كان له قول بلا عمل ، والمؤمن كان له عمل ولا يقول به ، وإنما قوله التسبيح ويدل عليه قوله تعالى :{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقوله { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا } وكانوا يعملون الصالحات ويتكلمون في السيئات مستغفرين مشفقين ، والمنافق كان يتكلم في الصالحات كقوله { إنا معكم } { قالت الأعراب ءامنا } ، { ومن الناس من يقول ءامنا } ويعمل السيء فقال تعالى الله يسمع أقوالهم الفارغة ويعلم أعمالكم الصالحة فلا يضيع .