مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ} (53)

وقوله تعالى : { وكل صغير وكبير مستطر } تعميم للحكم أي ليست الكتابة مقتصرة على ما فعلوه بل ما فعله غيرهم أيضا مسطور فلا يخرج عن الكتب صغيرة ولا كبيرة ، وقد ذكرنا في قوله تعالى : { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب } أن في قوله أكبر فائدة عظيمة وهي أن من يكتب حساب إنسان فإنما يكتبه في غالب الأمر لئلا ينسى فإذا جاء بالجملة العظيمة التي يأمن نسيانها ربما يترك كتابتها ويشتغل بكتابة ما يخاف نسيانه ، فلما قال : { ولا أكبر من ذلك } أشار إلى الأمور العظام التي يؤمن من نسيانها أنها مكتوبة أي ليست كتابتنا مثل كتابتكم التي يكون المقصود منها الأمن من النسيان ، فكذلك نقول : هاهنا وفي قوله : { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وفي جميع هذه المواضع قدم الصغيرة لأنها أليق بالتثبت عند الكتابة فيبتدئ بها حفظا عن النسيان في عادة الخلق فأجرى الله الذكر على عادتهم ، وهذا يؤيد ما ذكرنا من قبل أن كلا وإن كان نكرة يحسن الابتداء به للعموم وعدم الإبهام .