ثم قال : { وأملي لهم إن كيدي متين } أي أمهلهم كقوله : { إنما نملى لهم ليزدادوا إثما } وأطيل لهم المدة والملاوة المدة من الدهر ، يقال : أملى الله له أي أطال الله له الملاوة والملوان الليل والنهار ، والملأ مقصورا الأرض الواسعة سميت به لامتدادها . وقيل : { وأملى لهم } أي بالموت فلا أعاجلهم به ، ثم إنه إنما سمى إحسانه كيدا كما سماه استدراجا لكون في صورة الكيد ، ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك ، واعلم أن الأصحاب تمسكوا بهذه الآية في مسألة إرادة الكائنات ، فقالوا : هذا الذي سماه بالاستدراج وذلك الكيد ، إما أن يكون له أثر في ترجيح جانب الفعل على جانب الترك ، أو يكون له فيه أثر ، والأول باطل ، وإلا لكان هو سائر الأشياء الأجنبية بمثابة واحدة ، فلا يكون استدراجا البتة ولا كيدا ، وأما الثاني فهو يقتضي كونه تعالى مريدا لذلك الفعل الذي ينساق إليه ذلك الاستدراج وذلك الكيد ، لأنه إذا كان تعالى لا يزال يؤكد هذا الجانب ، ويفتر ذلك الجانب الآخر ، واعلم أن تأكيد هذا الجانب لا بد وأن ينساق بالآخرة إلى فعله ودخوله في الوجود ، فلا بد وأن يكون مريدا لدخول ذلك الفعل في الوجود وهو المطلوب ، أجاب الكعبي عنه فقال : المراد سنستدرجهم إلى الموت من حيث لا يعلمون ، وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة فإنهم لو عرفوا الوقت الذي يموتون فيه لصاروا آمنين إلى ذلك الوقت ولأقدموا على المعاصي . وفي ذلك إغراء بالمعاصي ، وأجاب الجبائي عنه ، فقال : { سنستدرجهم } إلى العذاب من حيث لا يعلمون في الآخرة ، { وأملي لهم } في الدنيا توكيدا للحجة عليهم { إن كيدي متين فأمهله وأزيح الأعذار عنه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة } فهذا هو المراد من الكيد المتين ، ثم قال : والذي يدل على أن المراد ما ذكرنا أنه تعالى قال قبل هذه الآية : { فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث } ولا شك أن هذا التهديد إنما وقع بعقاب الآخرة ، فوجب أن يكون المراد من الاستدراج والكيد المذكورين عقيبه هو عذاب الآخرة ، أو العذاب الحاصل عند الموت ، واعلم أن أصحابنا قالوا الحرف الذي ذكرناه وهو : أن هذا الإمهال إذا كان متأديا إلى الطغيان كان الراضي بالإمهال العالم بتأديه إلى الطغيان لا بد وأن يكون راضيا بذلك الطغيان ، واعلم أن قولهم : { سنستدرجهم - إلى قوله - إن كيدي متين } مفسر في سورة الأعراف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.