اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ} (45)

قوله : { وَأُمْلِي لَهُمْ } أي : أمهلهم ، وأطيل لهم المدة ، كقوله { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً }[ آل عمران : 178 ] والملاوة : المدة من الدهر ، وأملى الله له ، أي : أطال له ، والملوان : الليل والنهار .

وقيل : { وَأُمْلِي لَهُمْ } ، أي : لا أعاجلهم بالموت ، والمعنى واحد ، والملا مقصور : الأرضِ الواسعة سميت بها لامتدادها { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي : إن عذابي لقوي شديد ؛ فلا يفوتني أحد ، وسمى إحسانه كيداً كما سماه استدراجاً في صورة الكيدِ ووصفه بالمتانة لقوة أثر استحسانه في السبب للهلاك .

فصل في إرادة الكائنات

قال ابن الخطيبِ : تمسك الأصحاب بهذه الآية في مسألة إرادة الكائنات ، لأن هذا الاستدراج والكيد إن لم يكن لهما أثر في الطغيان ، فليسا بكيد ، ولا استدراج ، وإن كان لهما أثر فيه لزم أن يكون الحق سبحانه مريداً له ، لأن من فعل شيئاً لحصول شيء وأكده وقواه لا بد وأن يكون مريداً لحصول ذلك الشيء .

أجاب الكعبيُّ : بأن المراد استدراجهم إلى الموتِ ، أي : يخفى عنهم زمن الموت من حيثُ لا يعلمون ، وهو مقتضى الحكمة ، وإلا لكان فيه إغراء بالمعاصي ، لأنهم لو عرفوا الوقت الذي يموتون فيه أقدموا على المعاصي ، ثم صاروا مفتنين .

وأجاب الجبائيُّ : بأن معنى قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُم } أي : إلى العذاب { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } في الآخرة ، { وَأُمْلِي لَهُمْ } في الدنيا توكيداً للحجة عليهم { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } فأمهله ، وأزيح الأعذار عنه { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ }[ الأنفال : 42 ] ، ويدل على هذا قوله قبل ذلك : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث } ولا شك أن هذا التهديد إنما هو بعذاب الآخرة ، فوجب أن يكون الاستدراج والكيد المذكور عقيبه هو عذاب الآخرة وأجاب الأصحاب : أن هنا الإمهال إذا كان مؤدياً إلى الطغيان كان الراضي بالإمهال العالم بتأديه إلى الطغيان لا بد وأن يكون راضياً بذلك الطغيان .