تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ} (45)

الآية 45 وقوله تعالى : { وأملي لهم إن كيدي متين } والأصل أن الكيد والمكر والاستدراج ، يقتضي معنى واحدا ، وهو أن يأخذ من وجه أمنه ، ويراقب وجوه هلاكه ، وهو يستعمل في الخلق على وجه يذم أهله .

فهو يضاف إلى الله تعالى ، ليس على جعل ذلك اسما له ، إذ لا يجوز له أن يسمى ماكرا كايدا مستدرجا ، وإنما يضاف إليه في حق الجزاء باسم ماله الجزاء كما يسمى جزاء السيئة سيئة ، وإن لم يكن الجزاء سيئة وكما سمي جزاء الاعتداء اعتداء ، فكذلك سمي جزاء الكيد على هذا المعنى ، لا أن يكون ذلك منه كيدا في الحقيقة .

أو يقول : إن الذم إنما يلحق الماكر والكايد إذا استعمله في وليه وصفيّه . فأما إذا مكر بعدوه ، وكاد به ، فذلك مما لا بأس به ، ولا يذم عليه فاعله .

وما أضيف من الكيد إلى الله تعالى فذلك حال بأعدائه ليس بأوليائه ، فلم يكن فيه إلحاق معنى مكروه بالله تعالى .

ثم الأصل أن ينظر في الفعل لماذا ؟ أأضيف إلى الله تعالى بحقيقة أم بمجاز ؟

فإن كانت الإضافة بحق المجاز فلا يجعل ذلك اسما له ، لأنه لا يجوز أن يقال : هو كاتب نافخ روح ، ولا كائد ، ولا ماكر ؛ إذ لا يتحقق ذلك منه .

وما كانت إضافته لأجل التحقيق فإنه يستقيم أن يسمى به ، لأنه لا يستقيم أن نسميه منعما مفضّلا خالقا رحمان ؛ إذ الإنعام والإفضال في الخلق موجود منه .

وقوله تعالى : { متينِ } أي قوي ثابت . فقوله تعالى : { إن كيدي متين } أي كيدي لأوليائي على أعدائي ثابت ، ليس ككيد الأعداء ، لأن كيد الأعداء بكيد الشيطان ، وكيد { الشيطان كان ضعيفا } [ النساء : 76 ] .

والأصل أن الكيد الذي أضيف إلى الله تعالى حق ، والحق قوي ثابت ، لا مدفع له ، وكيد الشيطان باطل ، وليس للباطل قرار ، بل هو كما قال الله تعالى : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار }[ إبراهيم : 26 ] .