مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَطَعَامٗا ذَا غُصَّةٖ وَعَذَابًا أَلِيمٗا} (13)

( وثالثها ) قوله : { وطعاما ذا غصة } الغصة ما يغص به الإنسان ، وذلك الطعام هو الزقوم والضريع كما قال تعالى : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } قالوا : إنه شوك كالعوسج يأخذ بالحلق يدخل ولا يخرج ( ورابعها ) قوله : { وعذابا أليما } والمراد منه سائر أنواع العذاب ، واعلم أنه يمكن حمل هذه المراتب الأربعة على العقوبة الروحانية ، أما الأنكال فهي عبارة عن بقاء النفس في قيد التعلقات الجسمانية واللذات البدنية ، فإنها في الدنيا لما اكتسبت ملكة تلك المحبة والرغبة ، فبعد البدن يشتد الحنين ، مع أن آلات الكسب قد بطلت فصارت تلك كالأنكال والقيود المانعة له من التخلص إلى عالم الروح والصفاء ، ثم يتولد من تلك القيود الروحانية نيران روحانية ، فإن شدة ميلها إلى الأحوال البدنية وعدم تمكنها من الوصول إليها ، يوجب حرقة شديدة روحانية كمن تشتد رغبته في وجدان شيء ، ثم إنه لا يجده فإنه يحترق قلبه عليه ، فذاك هو الجحيم ، ثم إنه يتجرع غصة الحرمان وألم الفراق ، فذاك هو المراد من قوله : { وطعاما ذا غصة } ثم إنه بسبب هذه الأحوال بقي محروما عن تجلي نور الله والانخراط في سلك المقدسين ، وذلك هو المراد من قوله : { وعذابا أليما } والتنكير في قوله : { وعذابا } يدل على أن هذا العذاب أشد مما تقدم وأكمل ، واعلم أني لا أقول المراد بهذه الآيات هو ما ذكرته فقط ، بل أقول إنها تفيد حصول المراتب الأربعة الجسمانية ، وحصول المراتب الأربعة الروحانية ، ولا يمتنع حمله عليهما ، وإن كان اللفظ بالنسبة إلى المراتب الجسمانية حقيقة ، وبالنسبة إلى المراتب الروحانية مجازا متعارفا مشهورا .