مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

النوع الثاني من أهوال يوم القيامة قوله : { السماء منفطر به } وهذا وصف لليوم بالشدة أيضا ، وأن السماء على عظمها وقوتها تنفطر فيه ، فما ظنك بغيرها من الخلائق ، ونظيره قوله :

{ إذا السماء انفطرت } وفيه سؤالان :

السؤال الأول : لم لم يقل : منفطرة ؟ ( الجواب ) من وجوه : ( أولها ) روى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء ، إنما قال : { السماء منفطر } ولم يقل : منفطرة لأن مجازها مجاز السقف ، تقول : هذا سماء البيت ( وثانيها ) قال الفراء : السماء تؤنث وتذكر ، وهي هاهنا في وجوه التذكير وأنشد شعرا :

فلو رفع السماء إليه قوما *** لحقنا بالنجوم مع السحاب

( وثالثها ) أن تأنيث السماء ليس بحقيقي ، وما كان كذلك جاز تذكيره .

قال الشاعر :

والعين بالإثمد الخيري مكحول ***

وقال الأعشى :

فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل إبقالها

( ورابعها ) أن يكون السماء ذات انفطار فيكون من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، وأعجاز نخل منقعر ، وكقولهم امرأة مرضع ، أي ذات رضاع .

السؤال الثاني : ما معنى : { منفطر به } ؟ ( الجواب ) من وجوه : ( أحدها ) قال الفراء : المعنى منفطر فيه ( وثانيها ) أن الباء في ( به ) مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به ، يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهوله ، كما ينفطر الشيء بما ينفطر به ( وثالثها ) يجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظم تلك الواقعة عليها وخشيتها منها كقوله : { ثقلت في السموات والأرض } .

أما قوله : { كان وعده مفعولا } فاعلم أن الضمير في قوله : { وعده } يحتمل أن يكون عائدا إلى المفعول وأن يكون عائدا إلى الفاعل ، أما ( الأول ) فأن يكون المعنى وعد ذلك اليوم مفعول أي الوعد المضاف إلى ذلك اليوم واجب الوقوع ، لأن حكمة الله تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه ، وأما ( الثاني ) فأن يكون المعنى وعد الله واقع لا محالة لأنه تعالى منزه عن الكذب وهاهنا وإن لم يجر ذكر الله تعالى ولكنه حسن عود الضمير إليه لكونه معلوما .