{ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } اتفقوا على أن { هل } هاهنا وفي قوله تعالى : { هل أتاك حديث الغاشية } بمعنى قد ، كما تقول : هل رأيت صنيع فلان ، وقد علمت أنه قد رآه ، وتقول : هل وعظتك هل أعطيتك ، ومقصودك أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته ، وقد تجيء بمعنى الجحد ، تقول : وهل يقدر أحد على مثل هذا ، وأما أنها تجيء بمعنى الاستفهام فظاهر ، والدليل على أنها هاهنا ليست بمعنى الاستفهام وجهان ( الأول ) : ما روي أن الصديق رضي الله عنه لما سمع هذه الآية قال : يا ليتها كانت تمت فلا نبتلي ، ولو كان ذلك استفهاما لما قال : ليتها تمت ، لأن الاستفهام ، إنما يجاب بلا أو بنعم ، فإذا كان المراد هو الخبر ، فحينئذ يحسن ذلك الجواب ( الثاني ) : أن الاستفهام على الله تعالى محال فلا بد من حمله على الخبر .
المسألة الأولى : اختلفوا في الإنسان المذكور هاهنا فقال : جماعة من المفسرين يريد آدم عليه السلام ، ومن ذهب إلى هذا قال : إن الله تعالى ذكر خلق آدم في هذه الآية ثم عقب بذكر ولده في قوله : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه } ، ( والقول الثاني ) : أن المراد بالإنسان بنو آدم بدليل قوله : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة } فالإنسان في الموضعين واحد ، وعلى هذا التقدير يكون نظم الآية أحسن .
المسألة الثانية : { حين } فيه قولان : ( الأول ) : أنه طائفة من الزمن الطويل الممتد وغير مقدر في نفسه ( والثاني ) : أنه مقدر بالأربعين ، فمن قال : المراد بالإنسان هو آدم قال المعنى : أنه مكث آدم عليه السلام أربعين سنة طينا إلى أن نفخ فيه الروح ، وروى عن ابن عباس أنه بقي طينا أربعين سنة وأربعين من صلصال وأربعين من حمأ مسنون فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، فهو في هذه المدة ما كان شيئا مذكورا ، وقال الحسن : خلق الله تعالى كل الأشياء ما يرى وما لا يرى من دواب البر والبحر في الأيام الستة التي خلق فيها السماوات والأرض وآخر ما خلق آدم عليه السلام وهو قوله : { لم يكن شيئا مذكورا } فإن قبل : إن الطين والصلصال والحمأ المسنون قبل نفخ الروح فيه ما كان إنسانا ، والآية تقتضي أنه قد مضى على الإنسان حال كونه إنسانا حين من الدهر مع أنه في ذلك الحين ما كان شيئا مذكورا ، قلنا : إن الطين والصلصال إذا كان مصورا بصورة الإنسان ويكون محكوما عليه بأنه سينفخ فيه الروح وسيصير إنسانا صح تسميته بأنه إنسان ، والذين يقولون الإنسان هو النفس الناطقة ، وإنها موجودة قبل وجود الأبدان ، فالإشكال عنهم زائل واعلم أن الغرض من هذا التنبيه على أن الإنسان محدث ، ومتى كان كذلك فلا بد من محدث قادر .
المسألة الثالثة : لم يكن شيئا مذكورا محله النصب على الحال من الإنسان كأنه قيل : هل أتى عليه حين من الدهر غير مذكور أو الرفع على الوصف لحين ، تقديره : هل أتى على الإنسان حين لم يكن فيه شيئا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.