مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

أما قوله : { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : في تفسير هذه الخيانة وجوه : الأول : أن المراد منه الخيانة في الدين وهو الكفر ، يعني إن كفروا بك فقد خانوا الله من قبل . الثاني : أن المراد من الخيانة منع ما ضمنوا من الفداء . الثالث : روي أنه عليه السلام لما أطلقهم من الأسر عهد معهم أن لا يعودوا إلى محاربته وإلى معاهدة المشركين ، وهذا هو العادة فيمن يطلق من الحبس والأسر ، فقال تعالى : { وإن يريدوا خيانتك } أي نكث هذا العهد فقد خانوا الله من قبل ، والمراد أنهم كانوا يقولون { لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين } { ولئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين } ثم إذا وصلوا إلى النعمة وتخلصوا من البلية نكثوا العهد ونقضوا الميثاق ، ولا يمنع دخول الكل فيه ، وإن كان الأظهر هو هذا الأخير .

ثم قال تعالى : { فأمكن منهم } قال الأزهري : يقال أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن ومفعول الإمكان محذوف ، والمعنى : فأمكن المؤمنين منهم ، والمعنى أنهم خانوا الله بما أقدموا عليه من محاربة الرسول يوم بدر فأمكن الله منهم قتلا وأسرا ، وذلك نهاية الإمكان والظفر . فنبه الله بذلك على أنهم قد ذاقوا وبال ما فعلوه ثم ، فإن عادوا كان التمكين منهم ثابتا حاصلا ، وفيه بشارة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يتمكن من كل من يخونه وينقض عهده .

ثم قال : { والله عليم } أي ببواطنهم وضمائرهم { حكيم } يجازيهم بأعمالهم .