البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

والظاهر أن الضمير في وإن يريدوا على الأسرى لأنه أقرب مذكور ، والخيانة هي كونهم أظهر الإسلام بعضهم ثم ردّوا إلى دينهم فقد خانوا الله لخروجهم مع المشركين ، وقال الكرماني : { وإن يريدوا } يعني الأسرى خيانتك يعني نقض ما عهدوا معك فقد خانوا الله بالكفر والشكر قبل العهد ، وقيل : قبل بدر فأمكن منهم أو فأمكنك منهم وهزمتهم وأسرتهم ، وقال الزمخشري : { خيانتك } أي ينكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردّة واستحباب دين آبائهم { فقد خانوا الله من قبل } في كفرهم ونقض ما أخذ على كلّ عاقل من مشاقّه { فأمكن منهم } كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادوا الخيانة ، وقيل المراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء ، وقال ابن عطية : إن أخلصوا فعل بهم كذا وإن أبطنوا خيانة ما رغبوا أن يؤتمنوا عليه من العهد فلا يسرّهم ذلك ولا يسكنون إليه فإن الله بالمرصاد فهم الذين خانوه بكفرهم وتركهم النّظر في آياته وهو قد بيّنها لهم وجعل لهم إدراكاً يحصلونها به فصار ذلك كعهد متقرّر فجعل جزاؤهم على خيانتهم إياه أن مكّن منهم المؤمنين وجعلهم أسرى في أيديهم { والله عليم } بما يبطنونه من إخلاص أو خيانة { حكيم } فيما يجازيهم انتهى ، وقيل الضمير في { وإن يريدوا } عائد على الذين قيل في حقهم :

{ وإن جنحوا للسلم } أي وإن يريدوا خيانتك في إظهار الصّلح والجمهور على أن الضمير في { وإن يريدوا } عائد على الأسرى ، وروي عن قتادة : إن هذه الآية في قصة عبد الله بن أبي سرح فإن كان قال ذلك على سبيل التمثيل فيمكن ، وإن كان على سبيل أنها نزلت في ذلك فلا لأنه إنما بيّن أمره في فتح مكة وهذه نزلت عقيب بدر .