تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

{ وإن يريدوا خيانتك } ، يعنى الكفر بعد إسلامهم واستحيائك إياهم ، { فقد خانوا الله من قبل } ، يقول : فقد كفروا بالله من قبل هذا الذي نزل بهم ببدر ، { فأمكن } الله { منهم } النبي عليه السلام ، يقول : إن خانوا أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما فعلت بهم ببدر ، { والله عليم } بخلقه ، { حكيم } [ آية :71 ] في أمره ، حكيم أن يمكنه منهم .

فقال العباس بعد ذلك : لقد أعطاني الله خصلتين ، ما من شيء هو أفضل منهما ، أما أحدهما : فالذهب الذي أخذ منى ، فآتاني الله خيرا منه عشرين عبدا ، وأما الثانية : فتنجيز موعود الله الصادق ، وهو المغفرة ، فليس أحد أفضل من هذا . ومن كان من أسارى بدر وليس له فدى ، فإنه يدفع إليه عشرة غلمان يعلمهم الكتاب ، فإذا حذقوا برئ الأسير من الفداء ، وكان أهل مكة يكتبون ، وأهل المدينة لا يكتبون ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استشار أصحابه في أسارى بدر ، فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : اقتلهم ، فإنهم رءوس الكفر وأئمة الضلال ، وقال أبو بكر : لا تقتلهم ، فقد شفي الله الصدور وقتل المشركين وهزمهم ، فآدهم أنفسهم ، وليكن ما نأخذ منهم في قوة المسلمين وعونا على حرب المشركين ، وعسى الله أن يجعلهم أعوانا لأهل الإسلام فيسلموا .

فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر الصديق ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما ، وأبو بكر أيضا رحيما ، وكان عمر ماضيا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر ، ففاداهم ، فأنزل الله عز وجل توفيقا لقول عمر : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : "أحمد الله إن ربك وأتاك على قولك" ، فقال عمر : الحمد لله الذي وآتاني على قولي في أسارى بدر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو نزل عذاب من السماء ، ما نجا منا أحد إلا عمر بن الخطاب ، إنه نهاني فأبيت" .