الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

ثم قال تعالى : { وإن يريدوا خيانتك }[ 71 ] .

يعني الأسارى الذين افتدوا وأسلموا في ظاهر أمرهم ، { فقد خانوا الله من قبل } ، أي : من وقعة بدر ، { فأمكن منهم }[ 71 ] ، يعني ببدر{[27926]} .

قال قتادة : هو عبد الله بن أبي سرح{[27927]} كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نافق ، و{[27928]} سار إلى المشركين بمكة وقال لهم : ما كان محمد يكتب إلا ما شئت فنذر رجل من الأنصار لئن أمكنه الله به{[27929]} ليضربنه بالسيف .

فلما كان يوم الفتح أمّن النبي صلى الله عليه وسلم ، الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح [ ومقيس بن صبابة ]{[27930]} ، وابن خطل{[27931]} ، وامرأة{[27932]} كانت تدعو على النبي عليه السلام ، كل صباح . فجاءه عثمان بابن أبي سرح ، وكان{[27933]} رضيع عبد الله ، فقال : يا نبي الله ، هذا فلان أقبل تائبا نادما ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع به الأنصاري{[27934]} ، أقبل متقلدا سيفه ، فأطاف به{[27935]} ، وجعل ينظر إلى النبي عليه السلام ، رجاء أن يومئ إليه . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم يده فبايعه ، فقال : " أما والله لقد تلومنك{[27936]} فيه لتوفي نذرك " ، فقال : يا نبي الله ، إني هبتك{[27937]} ، فلولا أومضت إليّ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه لا ينبغي لنبي أن يومض " {[27938]}-{[27939]} .

ومعنى { خانوا الله } : خانوا أولياءه{[27940]} .


[27926]:جامع البيان 14/75، بتصرف.
[27927]:هو: عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي، وهو أخو عثمان بن عفان، من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان. أسلم قبل الفتح ثم ارتد مشركا، وأسلم يوم الفتح فحسن إسلامه. وله مواقف محمودة في الفتوح، وأمّره عثمان على مصر. توفي بعسقلان سنة 36هـ. انظر الاستيعاب 3/50، وأسد الغابة 3/263، والإصابة 4/95.
[27928]:في الأصل: أو، وهو تحريف.
[27929]:كذا في المخطوطتين، وفي مصادر التوثيق ص: 687، هامش 2: منه.
[27930]:زيادة من "ر"، وفيها: مطيس، بالطاء المهملة، وهو تحريف، وصوابه في مغازي موسى بن عقبة 274، وجامع البيان 14/76، وجوامع السيرة 183، والإصابة 4/95. وفي سيرة ابن هشام 2/410: "قال ابن إسحاق: ومِقيس بن حبابة"، بحاء مهملة، وعلق المحققون في الهامش: "كذا في القاموس وشرحه. وفي "ا": ضبابة، وفي "م" و"ر" صبابة"، بصاد مهملة وهو الصواب إن شاء الله.
[27931]:في سيرة ابن هشام 2/409: "قال ابن إسحاق: وعبد الله بن خطل، رجل من بني تميم بن غالب، إنما أمر بقتله أنه كان مسلما، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصدقا [الذي يأخذ صدقات الغنم. المختار/ صدق. أي زكاتها]، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلما فنزل منزلا، وأمر المولى أن يذبح له تيسا، فيصنع له طعاما، فنام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا".
[27932]:في المخطوطتين: وامرأته، وهو وهم من أبي محمد مكي، رحمه الله، إن لم يكن من تحريف النساخ، والتصويب من جامع البيان 14/76، واسمها كما في سيرة ابن هشام 2/410: "سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب".
[27933]:يقصد عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وفي الأصل: رضيعا، وهو تحريف.
[27934]:هو عباد بن بشر، انظر: الإصابة 4/95.
[27935]:أطاف بالشيء: أحاط به، المصباح/طوف.
[27936]:التلوم: الانتظار والتمكث، المختار / لوم.
[27937]:الهيبة: المهابة، والإجلال والمخافة. المختار / هيب.
[27938]:أومض له بعينه: أومأ. وفي الحديث: "هلا أومضت إلي يا رسول الله"، أي: هلا أشرت إليّ إشارة خفية، من أومض البرق وومض. اللسان / ومض.
[27939]:جامع البيان 14/76، بتصرف يسير، وهو في تفسير ابن أبي حاتم 5/1737، مختصرا، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/106، من غير عزو، وبزيادة في آخره. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/328: "....وفسرها السدي على العموم، وهو أشمل وأظهر، والله أعلم"، انظر: المحرر الوجيز 2/555.
[27940]:إعراب القرآن للنحاس 2/198، وتمام نصه: "المؤمنين بديئا".