مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ} (7)

أما قوله تعالى : { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } فاعلم أن قوله : { شهود } يحتمل أن يكون المراد منه حضور ، ويحتمل أن يكون المراد منه الشهود الذين تثبت الدعوى بشهادتهم ، أما على الوجه الأول ، فالمعنى إن أولئك الجبابرة القاتلين كانوا حاضرين عند ذلك العمل يشاهدون ذلك فيكون الغرض من ذكر ذلك أحد أمور ثلاثة : إما وصفهم بقسوة القلب إذ كانوا عند التعذيب بالنار حاضرين مشاهدين له ، وأما وصفهم بالجد في تقرير كفرهم وباطلهم حيث حضروا في تلك المواطن المنفرة والأفعال الموحشة ، وأما وصف أولئك المؤمنين المقتولين بالجد دينهم والإصرار على حقهم ، فإن الكفار إنما حضروا في ذلك الموضع طمعا في أن هؤلاء المؤمنين إذا نظروا إليهم هابوا حضورهم واحتشموا من مخالفتهم ، ثم إن أولئك المؤمنين لم يلتفتوا إليهم وبقوا مصرين على دينهم الحق ، فإن قلت المراد من الشهود إن كان هذا المعنى ، فكان يجب أن يقال : وهم لما يفعلون شهود ولا يقال : وهم على ما يفعلون شهود ؟ قلنا : إنما ذكر لفظة على بمعنى أنهم على قبح فعلهم بهؤلاء المؤمنين ، وهو إحراقهم بالنار كانوا حاضرين مشاهدين لتلك الأفعال القبيحة .

أما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد من الشهود الشهادة التي تثبت الدعوى بها ففيه وجوه أحدها : أنهم جعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به ، وفوض إليه من التعذيب ( وثانيها ) : أنهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين يؤدون شهادتهم يوم القيامة : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } ( وثالثها ) : أن هؤلاء الكفار مشاهدون لما يفعلون بالمؤمنين من الإحراق بالنار حتى لو كان ذلك من غيرهم لكانوا شهودا عليه ، ثم مع هذا لم تأخذهم بهم رأفة ، ولا حصل في قلوبهم ميل ولا شفقة .