السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ} (7)

{ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين } بالله من تعذيبهم بالإلقاء في النار إن لم يرجعوا عن إيمانهم { شهود } أي : يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمر به أو شهود بمعنى حضور ، إذ روي أنّ الله تعالى أنجى المؤمنين الملقين في النار بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها وخرجت النار إلى القاعدين فأحرقتهم . قال الرازي : يمكن أن يكون المراد بأصحاب الأخدود القاتلين ، ويمكن أن يكون المراد بهم المقتولين . والمشهور أن المقتولين هم المؤمنون . وروي أن المقتولين هم الجبابرة . روي أنهم لما ألقوا المؤمنين في النار عادت النار على الكفرة فأحرقتهم ، ونجّى الله المؤمنين منها سالمين وإلى هذا القول ذهب الربيع بن أنس والواحدي . وتأوّلوا قوله تعالى : { فلهم عذاب جهنم } أي : في الآخرة { ولهم عذاب الحريق } أي : في الدنيا .

فإن فسر أصحاب الأخدود بالقاتلين فيكون قوله تعالى : { قتل أصحاب الأخدود } دعاء عليهم كقوله تعالى : { قتل الإنسان ما أكفره } [ عبس : 17 ] وإن فسر بالمقتولين كان المعنى : أنّ المؤمنين قتلوا بالنار فيكون ذلك خبراً لا دعاءً . والمقصود من هذه الآية : تثبيت قلوب المؤمنين وإخبارهم بما كان يلقاه من قبلهم من الشدائد . وذكر لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلقون من أذى الكفار ليتأسوا بهذا الغلام في صبره على الأذى والصلب ، وبذل نفسه في إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه ، وكذلك صبر الراهب على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار ، وكذلك أكثر الناس لما آمنوا بالله تعالى .