مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قوله : { أرأيت } خطاب لمن ؟ فيه وجهان ( الأول ) : أنه خطاب للنبي عليه السلام ، والدليل عليه أن الأول وهو قوله : { أرأيت الذي ينهى عبدا } للنبي صلى الله عليه وسلم والثالث وهو قوله : { أرأيت إن كذب وتولى } للنبي عليه الصلاة والسلام فلو جعلنا الوسط لغير النبي لخرج الكلام عن النظم الحسن ، يقول الله تعالى يا محمد : أرأيت إن كان هذا الكافر ، ولم يقل : لو كان إشارة إلى المستقبل كأنه يقول : أرأيت إن صار على الهدى ، واشتغل بأمر نفسه ، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة ، فلو اختار الدين والهدى والأمر بالتقوى ، أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله والنهي عن خدمته وطاعته ، كأنه تعالى يقول : تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العالية وقنع بالمراتب الدنيئة .

القول الثاني : أنه خطاب للكافر ، لأن الله تعالى كالمشاهد للظالم والمظلوم ، وكالمولى الذي قام بين يديه عبدان ، وكالحاكم الذي حضر عنده المدعي ، والمدعى عليه فخاطب هذا مرة ، وهذا مرة . فلما قال للنبي : { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } التفت بعد ذلك إلى الكافر ، فقال : أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله أمرا بالتقوى أتنهاه مع ذلك .

المسألة الثانية : ههنا سؤال وهو أن المذكور في أول الآية . هو الصلاة وهو قوله : { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } والمذكور ههنا أمران ، وهو قوله : { أرأيت إن كان على الهدى } في فعل الصلاة ، فلم ضم إليه شيئا ثانيا ، وهو قوله : { أو أمر بالتقوى } ؟

( جوابه ) : من وجوه ( أحدها ) : أن الذي شق على أبي جهل من أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هو هذان الأمران الصلاة والدعاء إلى الله ، فلا جرم ذكرهما ههنا ( وثانيها ) : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد إلا في أحد أمرين ، إما في إصلاح نفسه ، وذلك بفعل الصلاة أو في إصلاح غيره ، وذلك بالأمر بالتقوى ( وثالثها ) : أنه عليه السلام كان في صلاته على الهدى وآمرا بالتقوى ، لأن كل من رآه وهو في الصلاة كان يرق قلبه . فيميل إلى الإيمان ، فكان فعل الصلاة دعوة بلسان الفعل ، وهو أقوى من الدعوة بلسان القول .