مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ} (7)

قوله تعالى : { أن رآه استغنى } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قال الأخفش : لأن رآه فحذف اللام ، كما يقال : أنكم لتطغون أن رأيتم غناكم .

المسألة الثانية : قال الفراء إنما قال : { أن رآه } ولم يقل : رأى نفسه كما يقال : قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تستدعي اسما وخبرا نحو الظن والحسبان ، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس فتقول : رأيتني وظننتني وحسبتني فقوله : { أن رآه استغنى } من هذا الباب .

المسألة الثالثة : في قوله : { استغنى } وجهان : ( أحدهما ) : استغنى بماله عن ربه ، والمراد من الآية ليس هو الأول ، لأن الإنسان قد ينال الثروة فلا يزيد إلا تواضعا كسليمان عليه السلام ، فإنه كان يجالس المساكين ويقول : «مسكين جالس مسكينا » وعبد الرحمن بن عوف ما طغى مع كثرة أمواله ، بل العاقل يعلم أنه عند الغنى يكون أكثر حاجة إلى الله تعالى منه حال فقره ، لأنه في حال فقره لا يتمنى إلا سلامة نفسه ، وأما حال الغنى فإنه يتمنى سلامة نفسه وماله ومماليكه ، وفي الآية ( وجه ثاني ) : وهو أن سين { استغنى } سين الطالب والمعنى أن الإنسان رأى أن نفسه إنما نالت الغنى لأنها طلبته وبذلت الجهد في الطلب فنالت الثروة والغنى بسبب ذلك الجهد ، لا أنه نالها بإعطاء الله وتوفيقه ، وهذا جهل وحمق فكم من باذل وسعه في الحرص والطلب وهو يموت جوعا ، ثم ترى أكثر الأغنياء في الآخرة يصيرون مدبرين خائفين ، يريهم الله أن ذلك الغنى ما كان بفعلهم وقوتهم .

المسألة الرابعة : أول السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال ، وكفى بذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال .