وقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين } أي لحكمه تعالى وقضائه عز وجل منصوب بإضمار أعني وجوز أن يكون معمولاً لمبعوثون أو مرفوع المحل خبراً لمبتدأ مضمر أي هو أو ذلك يوم أو مجرور كما قال الفراء بدلاً من { يوم عظيم } [ المطففين : 5 ] وهو على الوجهين مبني على الفتح لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعاً كما هو رأي الكوفيين وقد مر غير مرة ويؤيد الوجهين قراءة زيد بن علي يوم بالرفع وقراءة بعضهم كما حكى أبو معاذ يوم بالجر وفي هذا الإنكار والتعجيب وإيراد الظن والإتيان باسم الإشارة ووصف يوم قيامهم بالعظمة وإبدال يوم يقوم الخ منه على القول به ووصفه تعالى بربوبية العالمين من البيان البليغ لعظم الذنب وتفاقم الاثم في التطفيف ما لا يخفى وليس ذلك نظراً إلى التطفيف من حيث هو تطفيف بل من حيث إن الميزان قانون العدل الذي قامت به السموات والأرض فيعم الحكم التطفيف على الوجه الواقع من أولئك المطففين وغيره وصح من رواية الحاكم والطبراني وغيرهما عن ابن عباس وغيره مرفوعاً خمس بخمس قيل يا رسول الله وما خمس بخمس قال ما نقض قوم العهد إلا سلط الله تعالى عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله تعالى إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر وعن ابن عمر أنه كان يمر بالبائع فيقول اتق الله تعالى وأوف الكيل فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن حتى أن العرق ليلجمهم وعن كرمة أشهد أن كل كيال ووزان في النار فقيل له إن ابنك كيال ووزان فقال أشهد أنه في النار وكأنه أراد المبالغة لما علم أن الغالب فيهم التطفيف ومن هذا القبيل ما روى عن أبي رضي الله تعالى عنه لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤس المكاييل وألسن الموازين والله تعالى أعلم . واستدل بقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ } الخ على منع القيام للناس لاختصاصه بالله تعالى وأجاب عنه الجلال السيوطي بأنه خاص بالقيام للمرء بين يديه أما القيام له إذا قدم ثم الجلوس فلا وأنت تعلم أن الآية بمعزل عن أن يستدل بها على ما ذكر ليحتاج إلى هذا الجواب وأرى الاستدلال بها على ذلك من العجب العجاب .
{ يوم يقوم الناس } من قبورهم ، { لرب العالمين } أي لأمره ولجزائه ولحسابه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إبراهيم بن المنذر ، أنبأنا معن ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .
أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، حدثنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين -قال سليم : لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين ؟- قال : فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاماً .
قوله : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } ألا يوقن هؤلاء الذين يظلمون الناس باستراق حقوقهم عند الكيل والوزن أنهم مبعوثون ليوم القيامة ، يوم الأهوال والكروب والشدائد ، فموقوفون على ربهم ليسألهم عما فعلوا من تطفيف وأكل لحقوق الناس بالباطل {[4781]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.