الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقيامُ الناس لربِ العالمينَ يومئذٍ ، يختلف الناسُ فيه بحَسْبِ منازِلهم ، ورُوِيَ أنه يُخَفَّفُ عن المؤمنِ حتى يكونَ على قَدْرِ الصلاةِ المكتوبةِ ، وفي هذا القيام هو إلجامُ العَرَقِ للناسِ ؛ كما صرَّح به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيحِ ، والناسُ أيضاً فيه مختلفون بالتخفيفِ والتشديدِ ، قال ابن المباركِ في «رقائِقه » : أخبرنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عن أبي عثمانَ النهدي عن سلمان ، قال : تدنى الشمسُ من الناسِ يومَ القيامةِ حتى تكونَ من رُؤوسهم قَابَ قوسٍ أو قابَ قوسَينِ فتُعْطي حرَّ عَشْرَ سنين ؛ وليسَ على أحد يومئِذ طِحْرِبة ولا تُرَى فيه عورةُ مؤمِنٍ ولا مؤمنةٍ ، ولا يَضّرُّ حرُّها يومئِذٍ مؤمناً ولا مؤمنَة ، وأما الآخرون ؛ أو قال الكفارُ فَتَطْبُخُهُمْ ، فإنما تقولُ أجوافُهم غَقْ غَقْ ، قال نعيم : الطحربةُ : الخِرْقة انتهى . ونحوُ هذا للمحاسبي قال في «كتاب التوهُّم » : فإذَا وَافَى الموقفُ أهْلَ السماوات السبعِ والأرضينَ السبعِ ؛ كُسِبَتِ الشمسُ حرَّ عَشْرَ سنينَ ، ثم أدْنيتْ من الخلائقِ قَابَ قوسٍ أو قابَ قوسينِ ، فَلاَ ظِلَّ في ذلك اليوم إلا ظلُّ عرشِ ربِّ العالمينَ ، فكم بينَ مستظلِّ بظل العرشِ وبين واقفٍ لحرِّ الشمسِ قد أصْهَرَتْه ؛ واشتدَّ فيهَا كَرْبُه وقلقُه ، فتوهَّمْ نفسَك في ذلكَ الموقفِ ؛ فإنك لا محالةَ واحدٌ منهم ، انتهى . اللَّهُمَّ ، عَامِلْنَا بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ في الدَّارَيْنِ ، فَإنَّهُ لاَ حَوْلَ لَنَا وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ .