اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

قوله : { يَوْمَ } : يجوز نصبه ب «مبعوثون » .

قال الزمخشريُّ{[59564]} : أو ب «يبعثون » مقدراً ، أو على البدل من محل اليوم ، أو بإضمار «أعني » ، أو هو مرفوع المحل لإضافته لفعل وإن كان مضارعاً ، كما هو رأيُ الكوفيين ، ويدل على صحة هذين الوجهين ، قراءة{[59565]} زيد بن عليٍّ : «يَوْمَ يقُومُ » بالرفع ، وما حكاه أبو معاذ{[59566]} القارئ : «يومِ » بالجر على ما تقدَّم .

فصل في المراد بقيام الناس لرب العالمين

قيام الناس لرب العالمين إمَّا للحساب ، وإمَّا قيامهم من القبور .

وقال أبُو مسلم{[59567]} : قيامهم له عبارة عن طاعتهم له وانقيادهم ، كقوله تعالى : { والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] ، وفي الحديث : «إنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِقدارَ ثَلاثِمائةِ سَنَة لا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ »{[59568]} .

وعن ابن عباس : وهو في حقِّ المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة{[59569]} . وفي هذه الآيات مبالغات ، منها أنَّ الويل إنما يذكر عند شدة البلاء ، ومنها الإنكار بقوله تعالى : { أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } ، ومنها استعظامه - تعالى - لليومِ ، ومنها تأكيده بما بعده ، وما يوهم ذلك ، وما يقتضيه من خضوعهم وذلتهم ، وفي هذا نكتة ، وهي كأن قائلاً يقول : هذا التشديد العظيم ، والوعيد البليغ ، كيف يكون على التطفيف مع نزارته ، وزهادته ، وكرم المولى وإحسانه ؟ .

فأشار بقوله : { لِرَبِّ العالمين } إلى أنَّه مُربيهم ومسئول عن أمورهم ، فلا يليق أن يهمل من أمورهم شيئاً .

فصل في الكلام على لفظ «المطفف »

قال القشيري : لفظ المطفِّف يتناول التطفيف في الوزن والكيل ، وفي إظهار العيب ، وإخفائه ؛ وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه ، فليس بمنصف ، والمباشرة والصحبة من هذه المادة ، والذي يرى عيب الناس ، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة ، ومن طلب حقَّ نفسه من الناس ، ولا يعطيهم حقوقهم ، كما يتطلبه .


[59564]:الكشاف 4/720.
[59565]:ينظر: البحر المحيط 8/432، والدر المصون 6/491.
[59566]:ينظر السابق.
[59567]:ينظر: الفخر الرازي 31/83.
[59568]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/537) وعزاه إلى ابن مردويه عن أبي هريرة.
[59569]:ذكره الرازي في "تفسيره" (31/83) عن ابن عباس.