السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله تعالى : { يوم } يجوز نصبه بمبعوثون ، أو بإضمار أعني ، أو بدل من محل يوم فناصبه يبعثون { يقوم الناس } أي : من قبورهم { لرب العالمين } أي : الخلائق لأجل أمره وجزائه وحسابه . وعن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يوم يقول الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه » . وعن المقداد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد . حتى تكون قيد ميل أو اثنين قال سليم : لا أدري أي : الميلين يعني : مسافة الأرض أو الميل الذي تكتحل به العين قال : فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه على حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاماً ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير بيده إلى فيه يقول : ألجمه إلجاماً » .

وعن قتادة : أوف يا ابن آدم كما تحب أن يوفى لك ، واعدل كما تحب أن يعدل لك . وعن الفضيل : بخس الميزان سواد الوجوه يوم القيامة . وعن عبد الملك بن مروان أنّ أعرابياً قال له : سمعت ما قال الله في المطففين أراد بذلك أنّ المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم ، الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ، وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظنّ ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله تعالى خاضعين ، ووصفه ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط والعمل على السوية ، والعدل في كل أخذ وإعطاء بل في كل قول وعمل .

وعن ابن عمر أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله تعالى : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } بكى نحيباً وامتنع من قراءة ما بعده . وعن بعض المفسرين أنّ لفظ التطفيف يتناول التطفيف في الوزن والكيل . وفي إظهار العيب وإخفائه وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه فليس بمنصف ، والمعاشرة والصحبة في هذه المادّة ، والذي يرى عيب الناس ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة ، ومن طلب حق نفسه من الناس ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلبه .