روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ} (6)

وقوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى } تعديل لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من أول أمره إلى وقت النزول من فنون النعماء العظام ليستشهد بالخاص الموجود على المترقب الموعود فيزداد قلبه الشريف وصدره الرحيب طمأنينة وسروراً وانشراحاً وحبوراً ولذا فصلت الجملة . والهمزة لإنكار النفي وتقرير النفي على أبلغ وجه كأنه قيل قد وجدك الخ ووجدته على ما قال الرضي بمعنى أصبته على صفة ويراد بالوجود فيه العلم مجازاً بعلاقة اللزوم وفي مفردات الراغب لوجود اضرب وجود بالحواس الظاهرة ووجود بالقوى الباطنة ووجود بالعقل وما نسب إلى الله تعالى من لوجود فبمعنى العلم المجرد إذ كان الله تعالى منزهاً عن الوصف بالجوارح والآلات وقد فسره بعضهم هنا بالعلم وجعل مفعوله الأول الضمير ومفعوله الثاني يتيماً وبعضهم بالمصادفة وجعله متعدياً لواحد ويتيماً حالاً وأنت تعلم أن المصادفة لا تصح في حقه تعالى لأنها ملاقاة ما لم يكن في علمه سبحانه وتقديره جل شأنه فلا بد من التجوز بها عن تعلق علمه عز وجل بذلك واليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه والإيواء ضم الشيء إلى آخر يقال آوى إليه فلاناً أي ضمه إلى نفسه أي ألم يعلمك طفلاً لا أبا لك فضمك إلى من قام بأمرك روي أن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتار تمراً من يثرب فتوفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم جنين قد أتت عليه ستة أشهر فلما وضعته كان في حجر جده مع أمه فماتت وهو عليه الصلاة والسلام ابن ست سنين ولما بلغ عليه الصلاة والسلام ثماني سنين مات جده فكفله عمه الشفيق الشقيق أبو طالب بوصية من أبيه عبد المطلب وأحسن تربيته صلى الله عليه وسلم وفي «الكشاف » ماتت أمه عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثماني سنين فكفله عمه وكان شديد الاعتناء بأمره إلى أن بعثه الله تعالى وكان يرى منه صلى الله عليه وسلم في صغره ما لم ير من صغير روي أنه قال يوماً لأخيه العباس ألا أخبرك عن محمد صلى الله عليه وسلم بما رأيت منه فقال بلى قال : إني ضممته إلي فكنت لا أفارقه ساعة من ليل ولا نهار ولم ائتمن عليه أحداً حتى أني كنت أنومه في فراشي فأمرته ليلة أن يخلع ثيابه وينام معي فرأيت الكراهية في وجهه وكره أن يخالفني فقال يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي إني لا أحب أن تنظر إلى جسدي فتعجبت من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش فلما دخلت معه الفراش إذا بيني وبينه ثوب والله ما أدخلته في فراشي فإذا هو في غاية اللين وطيب الرائحة كأنه غمس في المسك فجهدت لأنظر إلى جسده فما كنت أرى شيئاً وكثيراً ما كنت أفقده من فراشي فإذا قمت لأطلبه ناداني ها أنا يا عم فارجع وكنت كثيراً ما أسمع منه كلاماً يعجبني وذلك عندما مضى بعض الليل وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ولا نحمد وكان يقول في أول الطعام بسم الله الأحد فإذا فرغ من طعامه قال الحمد لله فكنت أعجب منه ولم أر منه كذبة ولا ضحكاً ولا جاهلية ولا وقف مع الصبيان وهم يعلبون وهذا لعمري يغض من فيض

. في المهد يعرب عن سعادة جده *** أثر النجابة ساطع البرهان

وقيل المعنى ألم يجدك يتيماً أبتك المراضع فآواك من مرضعة تحنو عليك بأن رزقها بصحبتك الخير والبركة حتى أحبتك وتكفلتك والأول هو الظاهر وقيل غير ذلك مما ستعلمه بعد إن شاء الله تعالى ومن بدع التفاسير على ما قال الزمخشري أن يتيماً من قولهم درة يتيمة والمعنى ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك والأولى عليه أن يقال ألم يجدك واحداً عديم النظير في الخليقة لم يحو مثلك صدف إلا مكان فآواك إليه وجعلك في حق اصطفائه وقرأ أبو الأشعث فأوى ثلاثياً فجوز أن يكون من أواه بمعنى آواه وأن يكون من أوى له أي رحمه ومصدره أياواية وماوية وماوية وتحقيقه على ما قال الراغب أي رجع إليه بقلبه ومنه قوله :

أواني ولا كفران لله أية ***

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ} (6)

ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله{[1450]} [ الخاصة ] فقال :

{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى } أي : وجدك لا أم لك ، ولا أب ، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه ، فآواه الله ، وكفله جده عبد المطلب ، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب ، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين .


[1450]:- كذا في ب، وفي أ: الأحوال.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فآوَى" يقول تعالى ذكره معدّدا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نِعَمه عنده ، ومذكّره آلاءه قِبَلَه : ألم يجدك يا محمد ربك يتيما فآوى ، يقول : فجعل لك مَأْوًى تأوي إليه ، ومنزلاً تنزله...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... { ألم يجدك يتيما فآوى } يحتمل قوله : { فآوى } وجوها :

أحدها : وجدك يتيما فآواك إلى عمك حتى رباك ، ودفع عنك كل أذى وآفة وساق إليك كل خير وبر إلى أن بلغت المبلغ الذي بلغت

..............................................

والثالث : قد وجدك يتيما فآواك إلى نفسه ، وعطف عليك ، حتى اختصك ، واصطفاك للرسالة والنبوة حتى صرت مذكورا في الدنيا والآخرة وحتى أحوج جميع الناس إليك ، ليس ذلك من أمر اليتيم أنه يبلغ شأنه وأمره إلى ما بلغ من أمرك وشأنك حتى صرت مخصوصا من بين الناس جميعا في ما ذكرنا من اختصاصه إياك بالرسالة ، وأحوج جميع الناس إليك ، يذكر عظيم منه ونعمه عليه ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

واليتيم بموت الأب ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أبويه وهو صغير ، فكفله جده عبد المطلب ، ثم مات فكفله عمه أبو طالب .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

عدّد عليه نعمه وأياديه ، وأنه لم يخله منها من أوّل تربيه وابتداء نشئه ، ترشيحاً لما أراد به ؛ ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه ، لئلا يتوقع إلاّ الحسنى وزيادة الخير والكرامة، ولا يضيق صدره ولا يقل صبره .

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

أي ألم تكن يتيما لا أب لك يعنى بتربيتك ، ويقوم بشؤونك ، ويهتم بنشأتك ، فما زال يحميك ويتعهدك برعايته ، ويجنبك أدناس الجاهلية وأوضارها حتى رقيت إلى ذروة الكمال الإنساني . ... ولو تدبر المنصف في رعاية الله له ، وحياطته بحفظه وحسن تنشئته ، لوجد من ذلك العجب ، فلقد كان اليتيم وحده مدعاة إلى المضيعة وفساد الخلق ، لقلة من يحفل باليتيم ويحرص عليه ، وكان في خلق أهل مكة وعاداتهم ما فيه الكفاية في إضلاله لو أنه سار سيرتهم ، لكن عناية الله كانت ترعاه ، وتمنعه السير على نهجهم ، فكان الوفي الذي لا يمين ، والأمين الذي لا يخون ، والصادق الذي لا يكذب ، والطاهر الذي لا يدنّس برجس الجاهلية . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ? ) . . انظر في واقع حالك ، وماضي حياتك . . هل ودعك ربك وهل قلاك - حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر ? - ألم تحط يتمك رعايته ? ألم تدرك حيرتك هدايته ? ألم يغمر فقرك عطاؤه ? لقد ولدت يتيما فآواك إليه ، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك ! ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي: هو وعد جار على سنن ما سبق من عناية الله بك من مبدأ نشأتك ولطفه في الشدائد باطراد بحيث لا يحتمل أن يكون ذلك من قبيل الصدف لأن شأن الصدف أن لا تتكرر فقد علم أن اطراد ذلك مراد لله تعالى . والمقصود من هذا إيقاع اليقين في قلوب المشركين بأن ما وعده الله به محقق الوقوع قياساً على ما ذكره به من ملازمة لطفه به فيما مضى، وهم لا يجهلون ذلك عسى أن يقلعوا عن العناد ويُسرعوا إلى الإيمان، وإلا فإن ذلك مساءة تبقى في نفوسهم وأشباح رعب تخالج خواطرهم . ويحصل مع هذا المقصود امتنان على النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية لاطمئنان نفسه بوعد الله تعالى إياه