تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ} (6)

الآية6 : وقوله تعالى : { ألم يجدك يتيما فآوى } ( آية مما ){[23774]} ذكر من الأحوال التي ذكر فيه : من قوله تعالى : { ألم يجدك يتيما فآوى } { ووجدك ضالا فهدى } { ووجدك عائلا فأغنى } ( الآيات : 6و7و8 } وقوله تعالى : { وما كنت تتلوا من قبله ، من كتاب ولا تخطه بيمينك } ( العنكبوت : 48 ) ونحو ذلك من الأحوال التي ذكر فيه { وهي }{[23775]} في الظاهر أحوال تذكر للتبيين في من يقال فيه .

لكن في ذكر ما ذكر فيه من الأحوال ذكر بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنصر له والعون وآية له على رسالته ونبوته ، لأن نفاذ القول وغلبة الأمر مع الأحوال التي ذكر أعظم في الأعجوبة من نفاذه في أحوال السعة وحال قوة الأسباب وتأكيدها ، وهو{[23776]} قوله تعالى : { ألم يجدك يتيما فآوى } { ووجدك ضالا فهدى } { ووجدك عائلا فأغنى } ونحوه لأن أولئك الكفرة كانوا ينسبونه إلى الافتراء والاختراع من ذات نفسه ، فأخبر أن اليتيم والفقير ، ليس يبلغ في العلم والمعرفة المبلغ الذي يقدر على الاختراع وإنشاء الشيء من ذات نفسه على وجه يعجز عن مثله جميع الخلائق لما لا يجد ما ينفق في ذلك ، ويتحمل المؤن حتى يبلغ مبلغ الاختراع . وكذلك ما ذكر حين{[23777]} قال : { وما كنت تتلوا من قبله ، من كتاب ولا تخطه بيمينك } ( العنكبوت : 48 ) لأنهم قالوا : { إنما يعلمه بشر } ( النحل : 103 ) فالبشر إنما يتعلمون بالكتابة والخط . فإذا لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( حظ ){[23778]} من ذلك دل أنه بالله تعالى عرف وحده .

وقوله تعالى : { ألم يجدك يتيما فآوى } يحتمل{[23779]} قوله : { فآوى } وجوها :

أحدها : وجدك يتيما فآواك إلى عمك حتى رباك ، ودفع عنك كل أذى وآفة وساق إليك كل خير وبر إلى أن بلغت المبلغ الذي بلغت ){[23780]} .

والثاني : يقول قد وجدك يتيما فآواك إلى عدو من أعدائه{[23781]} حتى تولى تربيتك ، وبرك ، وعطف عليك ، وتولى عنك دفع المكروه والأذى ، يذكر منته وعظيم نعمه عليه أنه كان ما ذكر ، ثم صير من أعدائه{[23782]} أشفق الناس عليه وأعطف ، والله أعلم .

والثالث : قد وجدك يتيما فآواك إلى نفسه ، وعطف عليك ، حتى اختصك ، واصطفاك للرسالة والنبوة حتى صرت مذكورا في الدنيا والآخرة وحتى أحوج جميع الناس إليك ، ليس ذلك من أمر اليتيم أنه يبلغ شأنه وأمره إلى ما بلغ من أمرك وشأنك حتى صرت مخصوصا من بين الناس جميعا في ما ذكرنا من اختصاصه إياك بالرسالة ، وأحوج جميع الناس إليك ، يذكر عظيم منه ونعمه عليه .


[23774]:في الأصل وم: الآية ما
[23775]:ساقطة من الأصل وم
[23776]:في الأصل وم: أو أن يكون
[23777]:في الأصل وم: حيث
[23778]:ساقطة من الأصل وم
[23779]:أدرج قبلها في الأصل وم: ثم
[23780]:من م، ساقطة من الأصل
[23781]:في الأصل وم: أعدائك
[23782]:أدرج بعدها في الأصل وم: دفع المكروه