ثم أخبر الله تعالى عن حاله التي كان عليها قبل الوحي وذكره نعمه فقال : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى } ، العامة على : «فآوى » بألف بعد الهمزة رباعياً .
وأبو الأشهب{[60405]} : «فأوى » ثلاثياً .
قال الزمخشري{[60406]} : «وهو على معنيين : إما من «أواه » بمعنى «آواه » سمع بعض الرعاة يقول : أين آوي هذه الموقسة ؟ وإما من أوى له ، إذا رحمه » . انتهى .
5240- أرَانِي ولا كُفْرانَ للَّهِ أيَّةَ *** لنَفْسِي لقَدْ طَالبْتُ غَيْرَ مُنيلِ{[60407]}
أي : رحمة لنفسي ، ووجه الدلالة من قوله «أين آوي هذه » ، أنه لو كان من الرباعي [ لقال : أُأْوي - بضم الهمزة الأولى وسكون الثانية - لأنه مضارع آوى مثل أكرم ، وهذه الهمزة ] المضمومة هي حرف المضارعة ، والثانية هي فاء الكلمة ، وأما همزة «أفْعَل » فمحذوفة على القاعدة ، ولم تبدل هذه الهمزة كما أبدلت في «أومن » لئلا يستثقل بالإدغام ، ولذلك نص الفراء على أن «تُؤويهِ » من قوله تعالى { وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ } [ المعارج : 13 ] لا يجوز إبدالها للثقل .
قال ابن الخطيب{[60408]} : «يَجدْكَ » من الوجود الذي بمعنى العلم ، والمفعولان منصوبان ب «وجد » ، والوجود من الله العلم ، والمعنى : ألم يعلمك الله يتيماً فآوى .
قال القرطبي{[60409]} : «يَتِيْماً » لا أب لك ، قد مات أبوك ، «فآوى » ، أي : جعل لك مأوى تأوى إليه عند عمك أبي طالب ، فكفلك .
وقيل لجعفر بن محمد الصادق : لم أوتم النبي صلى الله عليه وسلم من أبويه ؟ .
فقال : لئلاَّ يكون لمخلوق عليه حق .
وعن مجاهدٍ : هو من قول العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل ، فمجاز الآية ألم يجدك واحداً في شرفك ، لا نظير لك ، فآواك الله بأصحاب يحفظونك ، ويحوطونك .
أورد ابن الخطيب هنا سؤالاً : وهو أنه كيف يحسن من الجواد أن يمن بنعمة ، فيقول : { ألمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى } ، ويؤكد هذا السؤال أن الله - تعالى - حكى عن فرعون قوله لموسى عليه الصلاة والسلام : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } [ الشعراء : 18 ] في معرض الذَّم لفرعون فما كان مذموماً من فرعون ، كيف يحسن من الله تعالى ؟ قال : والجواب{[60410]} : أن ذلك يحسن إذا قصد بذلك تقوية قلبه ، ووعده بدوام النعمة ، ولهذا ظهر الفرق بين هذا الامتنان ، وبين امتنان فرعون ، لأن امتنان فرعون معناه : فما بالك لا تخدمني ، وامتنان الله تعالى : زيادة نعمه ، كأنه يقول : ما لك تقطع عني رجاءك ، ألست شرعت في تربيتك أتظنني تاركاً لما صنعته ، بل لا بد وأن أتمّ النعمة كما قال تعالى : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 150 ] .
فإن قيل : إن الله تعالى منَّ عليه بثلاثة أشياء ، ثم أمره أن يذكر نعمة ربه ، فما وجه المناسبة ؟ .
فالجوابُ : وجه المناسبة أن تقول : قضاء الدين واجب ، والدين نوعان : مالي وإنعامي ، والإنعامي أقوى وجوباً لأن المال قد يسقط بالإبراء ، والإنعامي يتأكد بالإبراء ، والمالي يقضى مرة فينجو منه الإنسان ، والإنعامي يجب عليه قضاؤه طول عمره ، فإذا تعذر قضاء النعمة القليلة من منعم ، هو مملوك ، فكيف حال النعمة العظيمة من المنعم المالك ، فكان العبد يقول : إلهي أخرجتني من العدم ، إلى الوجود بشراً مستوياً ، طاهر الظاهر نجس الباطن ، بشارة منك ، تستر عليَّ ذنوبي بستر عفوك ، كما سترت نجاستي بالجلد الظاهر ، فكيف يمكنني قضاء نعمتك التي لا حصر لها ، فيقول تبارك وتعالى : الطريق إلى ذلك أن تفعل في حق [ عبيدي ذلك ، وكنت عائلاً فأغنيتك ، فافعل في حق ]{[60411]} الأيتام ذلك ثم إذا فعلت كل ذلك ، فاعلم أنما فعلته بتوفيقي ، ولطفي ، وإرشادي ، فكن أبداً ذاكراً لهذه النعم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.