روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهدى } عطف على ما يقتضيه الإنكار السابق كما أشير إليه أو على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه كأنه قيل أما وجدك يتيماً فآوى ووجدك غافلاً عن الشرائع التي لا تهتدي إليها العقول كما في قوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب } [ الشورى : 52 ] وقوله سبحانه : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } [ يوسف : 3 ] فهدك إلى مناهجها في تضاعيف ما أوحى إليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم وعلى هذا كما قال الواحدي أكثر المفسرين وهو اختيار الزجاج وروى سعيد بن المسيب أن صلى الله عليه وسلم سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فبينما هو راكب ناقة ذات ليلة ظلماء وهو نائم جاءه إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها بالحبسة ورده إلى القافلة فما في الآية إشارة إلى ذلك على ما قيل وقيل إشارة إلى ما روي عن ابن عباس من أنه صلى الله عليه وسلم ضل وهو صغير عن جده في شعاب مكة فرآه أبو جهل منصرفاً من أغنامه فرده لجده وهو متعلق بأستار الكعبة يتضرع إلى الله تعالى في أن يرد إليه محمداً وذكر له أنه لما رآه أناخ الناقة وأركبه من خلفه فأبت أن تقوم فأركبه أمامه فقامت فكانت الناقة تقول يا أحمق هو الإمام فكيف يقوم خلف المقتدي وفي إرجاعه عليه الصلاة والسلام إلى أهله على يد أبي جهل وقد علم سبحانه منه أنه فرعونه يشبه إرجاع موسى عليه السلام إلى أمه على يد فرعون وقيل ضل عليه الصلاة والسلام مرة أخرى وطلبوه فلم يجدوه فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً وتضرع إلى الله تعالى فسمعوا منادياً ينادي من السماء يا معشر الناس لا تضجوا فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه وأن محمداً بوادي تهامة عند شجرة السمر فسار عبد المطلب وورقة بن نوفل فإذا النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يلعب بالأغصان والأوراق وقيل أضلته مرضعته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب فضالاً على هذه الروايات من ضل في طريقه إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده وضعف حمل الآية على ذلك بأن مثله بالنسبة إلى ما تقدم لا يعد من نعم الله تعالى على مثل نبيه صلى الله عليه وسلم التي يمتن سبحانه بها عليه وقيل الضال الشجرة المنفردة في البيداء ليس حولها شجر والمراد أما وجدك وحدك ليس معك أحد فهدى الناس إليك ولم يتركك منفرداً وقال الجنيد قدس سره أي وجدك متحيراً في بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه وفيه قرب ما من الأول وقال بعضهم وجدك غافلاً عن قدر نفسك فأطلعك على عظيم محلك وقيل وجدك ضالاً عن معنى محض المودة فسقاك كأساً من شراب القربة والمودة فهداك به إلى معرفته عز وجل وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه كنت ضالاً عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي وهو قريب من سابقه وقال الحريري أي وجدك متردداً في غوامض معاني المحبة فهداك لها وهو أيضاً كذلك وكل ذلك منزع صوفي ورأى أبو حيان في منامه أن الكلام على حذف مضاف والمعنى ووجد رهطك ضالاً فهدى بك وهو كما ترى في يقظتك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } أي : وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، فعلمك ما لم تكن تعلم ، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى" ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم ...

وقيل : عُنِي بذلك : ووجدك في قوم ضُلاّل فهداك .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يخرج على وجوه :

أحدها : يقول : والله أعلم ، لولا أن الله تعالى هداك لدينه ، ووفقك له لوجدك ضالا ، إذ كان منشؤه بين قوم ضلال ، لم يكن أحد يهديه ، ويدعوه إلى الله تعالى ، ولكنه هداك ، وأرشدك فلم يجدك ضالا .... { ووجدك ضالا } لا ضلال كسب واختيار ، ولكن ضلال الخلقة التي أنشئ عليها الخلق ، والضلال بمعنى الجهل ، لأن الخلق في ابتداء أحوالهم يكونون جهّالا لا جهل كسب يذمون عليه ، أو يكون لهم علم يحمدون عليه ، ولكن جهل خلقة، وضلال خلقة لما ليس معهم آلة درك العلم...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

... قال الحسن والضحّاك وشهر بن حوشب وابن كيسان : ووجدك ضالا عن معالم النبوة ، وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

... قيل : "ووجدك ضالا" أي : غافلا عما يراد بك فهداك إليه ، وهو أحسن الأقاويل . وقيل : ضالا عن طريق الحق فهداك إليه ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ ضَآلاًّ } معناه الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع ، كقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب } [ الشورى : 52 ] ... ومن قال : كان على أمر قومه أربعين سنة ، فإن أراد أنه كان على خلوّهم عن العلوم السمعية ، فنعم ؛ وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم ، فمعاذ الله ؛ والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوّة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنماً قط ... والصواب أنه ضلال من توقف لا يدري كما قال عز وجل : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [ الشورى : 52 ]...

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

وقيل الضلال هنا بمعنى الحيرة وذلك لأنه كان صلى الله عليه وسلم يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه حتى هداه الله لدينه ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

... لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد ، منحرفة السلوك والأوضاع ، فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا . . ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك ، وبالمنهج الذي يصلك به .

والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى ، التي لا تعدلها منة ؛ وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ؛ ومن التعب الذي لا يعدله تعب ، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعانيه في هذه الفترة ، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والضّلال : عدم الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى مكان مقصود سواء سلك السائر طريقاً آخر يبلغ إلى غير المقصود أم وقف حائراً لا يعرف أيَّ طريق يسلك ، وهو المقصود هنا لأن المعنى : أنك كنت في حيرة من حال أهل الشرك من قومك فأراكه الله غير محمود وكرَّهه إليك ولا تدري ماذا تتبع من الحق ، فإن الله لما أنشأ رسوله صلى الله عليه وسلم على ما أراد من إعداده لتلقي الرسالة في الإبان ، ألْهَمَه أن ما عليه قومه من الشرك خطأ وألقى في نفسه طلب الوصول إلى الحق ليتهيأ بذلك لقبول الرسالة عن الله تعالى ... ولم يختلف أصحابنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصدر منه ما ينافي أصول الدين قبل رسالته ولم يزل علماؤنا يجعلون ما تواتر من حال استقامته ونزاهته عن الرذائل قبل نبوءته دليلاً من جملة الأدلة على رسالته ، بل قد شافَهَ القرآن به المشركين بقوله : { فقد لبثتُ فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون } [ يونس : 16 ] وقوله : { أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون } [ المؤمنون : 69 ] ، ولأنه لم يؤثر أن المشركين أفحموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنكر عليهم من مساوي أعمالهم بأن يقولوا فقد كنت تفعل ذلك معنا .