الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ} (6)

ثم أخبر الله سبحانه ، عن حاله ( عليه السلام ) التي كان عليها قبل الوحي ، وذكّره نعمه ، فقال عزّ من قائل : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى } .

أنبأني عبد الله بن حامد الأصبهاني قال : أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قال : حدّثنا محمد بن عيسى ، قال : حدّثنا أبو عمر الحوصي ، وأبو الربيع الزهراني ، عن حمّاد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : يا ربّ إنك آتيت سليمان بن داود ملكاً عظيماً ، وآتيت فلاناً كذا ، وآتيت فلاناً كذا ، قال : يا محمد ألمْ أجدك يتيماً فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب ، قال : ألمْ أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى يا رب ، قال : ألمْ أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب " .

ومعنى الآية : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً } صغيراً فقيراً ضعيفاً حين مات أبواك ، ولم يخلفا لك مالا ، ولا مأوى ، فجعل لك مأوى تأوي إليه ، ومنزلا تنزله ، وضمّك إلى عمّك أبي طالب حتى أحسن تربيتك ، وكفاك المؤونة .

سمعت الاستاذ أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت علي بن موسى الرضا يقول : سمعت أبي يقول : سئل جعفر بن محمد الصادق : لم أؤتم النبي صلى الله عليه وسلم عن أبويه ؟ فقال : لئلاّ يكون عليه حق لمخلوق .

وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري يحكي بإسناد له لا أحفظه ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه أنه قال في قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى } : هو من أقوال العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل وقد جاء في الشعر :

لا ولا درّة يتيمة بحر *** تتلالا في جونة البياع

فمجاز الآية : { أَلَمْ يَجِدْكَ } واحداً في شرفك ، وفضلك ، لا نظير لك ، فآواك إليه .

وقرأ أشهب العقيلي { فَآوَى } بالقصر : أي رحمك . تقول العرب : آويت لفلان اية ومأواة أي رحمته .