روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ} (12)

{ ذلكم } الخ من غير جواب عن الخروج نفياً أو إثباتاً وإن كان الاستفهام على ظاهره ، والمراد طلب الخروج نظير { فارجعنا نَعْمَلْ صالحا } [ السجدة : 12 ] ونحوه لقيل : { اخسؤا فيها } [ المؤمنون : 108 ] أو نحو ذلك كذا قيل ، وجوز أن يكونوا طلبوا الرجعة ليعملوا بموجب ذلك الاعتراف لكن مع استبعاد لها واستشعار يأس منه والجواب إقناط لهم ببيان أنهم كانوا مستمرين على الشرك فجوزوا باستمرار العقاب والخلود في النار كما يقتضيه حكمه تعالى وذلك جواب بنفي السبيل إلى الخروج على أبلغ وجه ، ولا أرى في هذا الوجه بأساً ويوشك أن يكون المتبادر ، والمعنى ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب { بِأَنَّهُ } أي بسبب أن الشأن { إِذَا دُعِىَ الله } أي عبد سبحانه في الدنيا { وَحْدَهُ } أي متحداً منفرداً فهو نصب على الحال مؤول بمشتق منكر أو يوحد وحده على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد { أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] والجملة بتمامها حال أيضاً حذفت وأقيم المصدر مقامها ، وفيه كلام آخر مفصل في الوفدة وقد تقدم بعضه .

{ كَفَرْتُمْ } بتوحيده تعالى أي جحدتم وأنكرتم ذلك { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } بالإشراك أي تذعنوا وتقروا به ، وفي إيراد { إِذَا } وصيغة الماضي في الشرطية الأولى و { ءانٍ } وصيغة المضارع في الثانية ما لا يخفى من الدلالة على سوء حالهم وحيث كان كذلك { فالحكم للَّهِ } الذي لا يحكم إلا بالحق ولا يقضي إلا بما تقتضيه الحكمة { العلى الكبير } المتصف بغاية العلوم نهاية الكبرياء فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله ، ولذا اشتدت سطوته بمن أشرك به واقتضت حكمته خلوده في النار فلا سبيل لخروجكم منها أبداً إذ كنتم مشركين .

واستدلال الحرورية بهذه الآية على زعمهم الفاسد في غاية السقوط ، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى : { فابعثوا حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } [ النساء : 35 ] الآية وقوله تعالى : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ} (12)

{ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ } أي : إذا دعي لتوحيده ، وإخلاص العمل له ، ونهي عن الشرك به { كَفَرْتُمْ } به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور .

{ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا } أي : هذا الذي أنزلكم هذ المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل ، أنكم تكفرون بالإيمان ، وتؤمنون بالكفر ، ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والآخرة ، وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا والآخرة .

تؤثرون سبب الشقاوة والذل والغضب وتزهدون بما هو سبب الفوز والفلاح والظفر { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا }

{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } العلي : الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه ، علو الذات ، وعلو القدر ، وعلو القهر ومن علو قدره ، كمال عدله تعالى ، وأنه يضع الأشياء مواضعها ، ولا يساوي بين المتقين والفجار .

{ الْكَبِيرُ } الذي له الكبرياء والعظمة والمجد ، في أسمائه وصفاته وأفعاله المتنزه عن كل آفة وعيب ونقص ، فإذا كان الحكم له تعالى ، وقد حكم عليكم بالخلود الدائم ، فحكمه لا يغير ولا يبدل .