نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ} (12)

ولما كان الجواب قطعاً : لا سبيل إلى ذلك ، علله بقوله : { ذلكم } أي القضاء النافذ العظيم العالي بتخليدكم في النار مقتاً منه لكم { بأنه } أي كان بسبب أنه { إذا دُعي الله } أي وجدت ولو مرة واحدة دعوة الملك الأعظم من أي داع كان { وحده } أي محكوماً له بالوحدة أو منفرداً من غير شريك { كفرتم } أي هذا طبعكم دائماً رجعتم إلى الدنيا أولاً { وإن يشرَك به } أي يوقع الإشراك به ويجدد ولو بعدد الأنفاس من أي مشرك كان { تؤمنوا } أي بالشركاء وتجددوا ذلك غير متحاشين ومن تجديد الكفر وهذا مفهم لأن حب الله للإنسان أكبر من حبه له الدال عليه توفيقه له في أنه إذا ذكر الله وحده آمن ، وإن ذكر معه غيره على طريقة تؤل إلى الشركة كفر بذلك الغير وجعل الأمر لله وحده { فالحكم } أي فتسبب عن القطع بأن لا رجعة ، وأن الكفار ما ضروا إلا أنفسهم مع ادعائهم العقول الراجحة ونفوذ ذلك أن كل حكم { لله } أي المحيط بصفات الكمال خاص به لا دخل للعوائد في أحكامه بل مهما شاء فعل إجراء على العوائد او خرقاً لها { العلي } أي وحده عن أن يكون له شريك ، فكذب قول أبي سفيان يوم أحد " اعل هبل " وقول ابن عربي أحد أتباع فرعون أكذب وأقبح وأبطل حيث قال : العلي علا عن من وما ثم إلا هو ، فعليه الخزي واللعنة وعلى من قال بقوله وعلى من توقف في لعنه .

ولما كانت النفوس لا تنقاد غاية الانقياد للحاكم إلا مع العظمة الزائدة والقدم في المجد ، قال معبراً بما يجمع العظمة والقدم : { الكبير * } الذي لا يليق الكبر إلا له ، وكبر كل متكبر وكبر كل كبير متضائل تحت دائرة كبره وكبره ، وعذابه مناسب لكبريائه فما أسفه من شقي بالكبراء فإنهم يلجئون أنفسهم إلى أن يقولوا ما لا يجديهم { ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا } :