إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي} (28)

وجعل قوله تعالى : { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } جوابَ الأمر وغرضاً من الدعاء ، فبحلّها في الجملة يتحقق إيتاءُ سؤلِه عليه الصلاة والسلام ، والحقُّ أن ما ذكر لا يدل على بقائها في الجملة أما قوله تعالى : { هُوَ أَفْصَحُ مِنّي } فلأنه عليه الصلاة والسلام قاله قبل استدعاءِ الحلِّ كما ستعرفه على أن أفصحيّتَه منه عليهما الصلاة والسلام لا تستدعي عدمَ البقاءِ لما أن الأفصحيةَ توجب ثبوتَ أصلِ الفصاحة في المفضول أيضاً وذلك منافٍ للعقدة رأساً ، وأما قوله تعالى : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } فمن باب غلوِّ اللعين في العتوّ والطغيان وإلا لدل على عدم زوالِها أصلاً ، وتنكيرُها إنما يفيد قِلتها في نفسها لا قِلَّتها باعتبار كونِها بعضاً من الكثير ، وتعلقُ كلمة مِنْ قوله تعالى : { مّن لّسَانِي } بمحذوف هو صفةٌ لها ليس بمقطوع به ، بل الظاهرُ تعلُّقها بنفس الفعل فإن المحلولَ إذا كان متعلقاً شيء ومتصلاً به فكما يتعلق الحلُّ به يتعلق بذلك الشيء أيضاً باعتبار إزالتِه عنه أو ابتداءِ حصوله منه .