روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِنِّي لَغَفَّارٞ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ} (82)

{ وإني لَغَفَّارٌ } كثير المغفرة { لّمَن تَابَ } من الشرك على ما روى عن ابن عباس ، وقيل : منه ومن المعاصي التي من جملتها الطغيان فيما رزق { وَآمَنَ } بما يجب الايمان به . واقتصر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما يروى عنه على ذكر الايمان بالله تعالى ولعله من باب الاقتصار على الأشرف وإلا فالأفيد إرادة العموم مع ذكر التوبة من الشرك { وَعَمِلَ صالحا } أي عملاً مستقيماً عند الشرع وهو بحسب الظاهر شامل للفرض والسنة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير ذلك بإداء الفرائض { ثُمَّ اهتدى } أي لزم الهدى واستقام عليه إلى الموافاة وهو مروي عن الحبر .

والهدي يحتمل أن يراد به الايمان ، وقد صرح بحانه بمدح المستقيمين على ذلك في قوله تعالى : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [ فصلت : 30 ] .

وقال الزمخشري : الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح وأياً ما كان فكلمة ثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أول الانتهاء أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإن المداومة أعلى وأعظم من الشروع كما قيل :

لكل إلى شاو العلى وثبات *** ولكن قليل في الرجال ثبات

وقيل : المراد ثم عمل بالسنة ، وأخرج سعيد بن منصور عن الحبر أن المراد من اهتدى علم أن لعمله ثواباً يجزي عليه ، وروي عنه غير ذلك ، وقيل : المراد طهر قلبه من الأخلاق الذميمة . كالعجب والحسد . والكبر وغيرها ، وقال ابن عطية : الذي يقوى في معنى { ثُمَّ اهتدى } أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل انتهى ، ولا يخفى عليك أن هذا يرجع إلى قولنا ثم استقام على الإيمان بما يجب الإيمان به على الوجه الصحيح ، وروى الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال : ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فوالله لو أن رجلاً عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولا يجيء بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه .

وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولايتهم إذا ذاك ولم يثبت ذلك في «صحيح الأخبار » .

نعم روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إلى أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا قلت : علام بعثوا ؟ قال : على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أسماءهم واحداً بعد واحد إلى المهدي وهو خبر طويل يتفجر الكذب منه . ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل . والآية تدل على تحقق المغفرة لمن اتصف بمجموع الصفات المذكورة . وقصارى ما يفهم منها عند القائلين بالمفهوم عدم تحقيقها لمن لم يتصف بالمجموع وعدم التحقق اعم من تحقق العدم فالآية بمعزل عن أن تكون دليلاً للمعتزلي على تحقق عدم المغفرة لمرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة فافهم واحتج بها من قال تجب التوبة عن الكفر أولاً ثم الإتيان بالإيمان ثانياً لأنه قدم فيها التوبة على الإيمان ، واحتج بها أيضاً من قال بعدم دخول العمل الصالح في الإيمان للعطف المقتضى للمغايرة .

ومن باب الإشارة : { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } [ طه : 81 ] عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل