روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ} (3)

{ لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ } أي قاتل إياها من شدة الوجد كما قال الليث وأنشد قول الفرزدق :

ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه *** لشيء نحته عن يديه المقادر

وقال الأخفش . والفراء . يقال بخع يبخع بخعاً وبخوعاً أي أهلك من شدة الوجد وأصله الجهد ، ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما بخع الأرض أي جهدها حتى أخذ ما فيها من أموال الملوك ، وقال الكسائي بخع الأرض بالزراعة جعلهما ضعيفة بسبب متابعة الحراثة ؛ وقال الزمخشري وتبعه المطرزي : أصل البخع أن تبلغ بالذبح البخاع بكسر الباء وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذبح ، ولم يطلع على ذلك ابن الأثير مع مزيد بحثه ولا ضير في ذلك .

وقرأ زيد بن علي . وقتادة رحمهم الله تعالى { باخع نَّفْسَكَ } بالإضافة على خلاف الأصل فإن الأصل في اسم الفاعل إذا استوفى شروط العمل أن يعمل على ما أشار إليه سيبويه في الكتاب ، وقال الكسائي : العمل والإضافة سواء ، وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة أحسن من العمل ، ولعل في مثل هذا الموضع لإشفاق المتكلم ، ولما استحال في حقه سبحانه جعلوه متوجهاً إلى المخاطب ، ولما كان غير واقع منه أيضاً قالوا : المراد الأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه فكأنه قيل : أشفق على نفسك أن تقتلها وجداً وحسرة على ما فاتك من إسلام قومك ، وقال العسكري : هي في مثل هذا الموضع موضوعة موضع النهي ، والمعنى لا تبخع نفسك ، وقيل : وضعت موضع الاستفهام والتقدير هل أنت باخع ، وحكى مثله عن ابن عطية إلا أنه قال : المراد الإنكاري أي لا تكن باخعاً نفسك { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } تعليل للبخع ، ولما لم يصح كون عدم كونهم في المستقبل مؤمنين كما يفيده ظاهر الكلام علة لذلك لعدم المقارنة والعلة ينبغي أن تقارن المعلول قدروا خيفة فقالوا : خيفة أن لا يؤمنوا بذلك الكتاب المبين ، ومن الأجلة من لم يقدر ذلك بناء على أن المراد لاستمرارهم على عدم قبول الإيمان بذلك الكتاب لأن كلمة كان للاستمرار وصيغة الاستقبال لتأكيده وأريد استمرار النفي ؛ وجوز أن يكون الكون بمعنى الصحة والمعنى لامتناع إيمانهم والقول بأن فعل الكون أتى به لأجل الفاصلة ليس بشيء .

من باب الإشارة : { لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] الخ فيه إشارة إلى كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وأن الحرص على إيمان الكافر لا يمنع سوابق الحكم .