الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لعلك} يا محمد {باخع نفسك}، وذلك حين كذب به كفار مكة... فشق على النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبهم إياه، فأنزل الله عز وجل: {لعلك باخع نفسك}، يعني: قاتلا نفسك حزنا {ألا يكونوا مؤمنين}، يعني: ألا يكونوا مصدقين بالقول أنه من عند الله عز وجل، نظيرها في الكهف: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم} [الكهف:6].

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يكُونُوا مُؤْمِنِينَ" يقول تعالى ذكره: لعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها إن لم يؤمن قومك بك، ويصدقوك على ما جئتهم به. والبخْع: هو القتل والإهلاك في كلام العرب... عن قَتادة، في قوله "لَعَلّكَ باخعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يكُونُوا مُؤْمِنِينَ "قال: لعلك من الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك، قال: ذلك البخع.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} كان يشتد على رسول الله تركهم الإيمان وتكذيبهم إياه إشفاقا وخوفا عليهم وتعظيما وإجلالا لحقه حتى كادت نفسه تهلك حزنا على ذلك... وهكذا الواجب على كل من رأى آخر في فاحشة أو كبيرة أن يحزن، ويترحم عليه، ويغضب لله لما ارتكب من الفاحشة.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي لِحِرْصِكَ على إيمانهم ولإشفاقِكَ من امتناعهم عن الإيمان فأنت قريبٌ مِنْ أنْ تقتلَ نَفْسَكَ من الأسفِ على تَرْكِهم الإيمان. فلا عليكَ -يا محمد- فإنه لا تبديلَ لِحُكْمِنَا؛ فَمَنْ حَكَمْنَا له بالشقاوة لا يُؤْمِن. ليس عليك إلاَّ البلاغ؛ فإن آمنوا فبها، وإلاَّ فكُلُّهُمْ سَيَرَوْنَ يومَ الدِّين ما يستحقون.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

البخع: أي يبلغ بالذبح البخاع –بالباء-، وهو عرق مستبطن الفقار، وذلك أقصى حدّ الذبح، و (لعل) للإشفاق، يعني: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك، {أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} لئلا يؤمنوا، أو لامتناع إيمانهم، أو خيفة أن لا يؤمنوا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ولما ذكر الله تعالى أنه بيّن الأمور قال بعده: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} منبها بذلك على أن الكتاب وإن بلغ في البيان كل غاية فغير مدخل لهم في الإيمان لما أنه سبق حكم الله بخلافه، فلا تبالغ في الحزن والأسف على ذلك لأنك إن بالغت فيه كنت بمنزلة من يقتل نفسه ثم لا ينتفع بذلك أصلا، فصبّره وعزّاه وعرّفه أن غمه وحزنه لا نفع فيه كما أن وجود الكتاب على بيانه ووضوحه لا نفع لهم فيه.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} أي: مهلك {نفسك} أي: مما تحرص [عليهم] وتحزن عليهم {أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وهذه تسلية من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، في عدم إيمان مَنْ لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

قال الإمام أبو جعفر ابن الزبير:...

افتتحت السورة... بتسليته عليه الصلاة والسلام، وأنه سبحانه لو شاء لأنزل عليهم آية تبهرهم وتذل جبابرتهم فقال سبحانه {لعلك باخع نفسك} -الآيتين، وقد تكرر هذا المعنى عند إرادة تسليته عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام: 35]، {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها} [السجدة: 13]، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً} [يونس: 99]، {ولو شاء الله ما فعلوه} [الأنعام: 137] ثم أعقب سبحانه بالتنبيه والتذكير {أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم}، {وإذ نادى ربك موسى}. وقلّما تجد في الكتاب العزيز ورود تسليته عليه السلام إلا معقبة بقصص موسى عليه السلام وما كابد من بني إسرائيل وفرعون، وفي كل قصة منها إحراز ما لم تحرزه الأخرى من الفوائد والمعاني والأخبار حتى لا تجد قصة تتكر وإن ظن ذلك من لم يمعن النظر، فما من قصة من القصص المتكررة في الظاهر إلا ولو سقطت أو قدر إزالتها لنقص من الفائدة ما لا يحصل من غيرها، وسيوضح هذا في التفسير بحول الله؛ ثم أتبع جل وتعالى قصة موسى بقصص غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أممهم على الطريقة المذكورة، وتأنيساً له عليه الصلاة والسلام حتى لا يهلك نفسه أسفاً على فوت إيمان قومه؛ ثم أتبع سبحانه ذلك بذكر الكتاب وعظيم النعمة به فقال {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون} فيا لها من كرامة تقصر الألسن عن شكرها، وتعجز العقول عن تقديرها، ثم أخبر تعالى أنه {بلسان عربي مبين}، ثم أخبر سبحانه بعلو أمر هذا الكتاب وشائع ذكره على ألسنة الرسل والأنبياء فقال: {وإنه لفي زبر الأولين} وأخبر أن علم بني إسرائيل من أعظم آية وأوضح برهان وبينة، وأن تأمل ذلك كاف، واعتباره شاف، فقال: {أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} كعبد الله بن سلام وأشباهه، ثم وبخ تعالى متوقفي العرب فقال: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين}- الآية، ثم أتبع ذلك بما يتعظ به المؤمن الخائف من أن الكتاب -مع أنه هدى ونور- قد يكون محنة في حق طائفة كما قال تعالى: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً} [البقرة: 26]، {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم} [التوبة: 125] فقال تعالى في هذا المعنى {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم} الآيات، ثم عاد الكلام إلى تنزيه الكتاب وإجلاله عن أن تتسور الشياطين على شيء منه أو تصل إليه فقال سبحانه {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون} أي ليسوا أهلاً له ولا يقدرون على استراق سمعه، بل هم معزولون عن السمع، مرجومون بالشهب، ثم وصى تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم -والمراد المؤمنون- فقال: {فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} ثم أمره بالإنذار ووصاه بالصبر فقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} ثم أعلم تعالى بموقع ما توهموه، وأهلية ما تخيلوه، فقال: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم} ثم وصفهم، وكل هذا تنزيه لنبيه صلى الله عليه وسلم عما تقولوه، ثم هددهم وتوعدهم فقال: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} -انتهى.

ولما كان قد قدم في تلك أنه عم برسالته جميع الخلائق، وختم بالإنذار على تكذيبهم في تخلفهم، مع إزاحة جميع العلل، نفي كل خلل، وكان ذلك مما يقتضي شدة أسفه صلى الله عليه وسلم على المتخلفين كما هو من مضمون {إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} على ما تقدم. وذلك لما عنده صلى الله عليه سلم من مزيد الشفقة، وعظيم الرحمة، قال تعالى يسليه، ويزيل من أسفه ويعزيه، على سبيل الاستئناف، مشيراً إلى أنه لا نقص في إنذاره ولا في كتابه الذي ينذر به يكون سبباً لوقوفهم عن الإيمان. وإنما السبب في ذلك محض إرادة الله تعالى: {لعلك باخع نفسك} أي مهلكها غمّاً. وقاتلها أسفاً، من بخع الشاة إذا بالغ في ذبحها حتى قطع البخاع، بكسر الموحدة، وهو عرق باطن في الصلب وفي القفا، وذلك أقصى حد الذابح، وهو غير النخاع بتثليث النون فإنه الخيط الأبيض في جوف الفقار {أن} أي لأجل أن {لا يكونوا} أي كوناً كأنه جبلة لهم {مؤمنين*} أي راسخين في الإيمان، فكان كأنه قيل: هذا الكتاب في غاية البيان في نفسه والإبانة للغير، وقد تقدم في غير موضع أنه ليس عليك إلا البلاغ، أتخاف وتشفق على نفسك من الهلاك غمّاً تأسفاً على عدم إيمانهم والحال أنا لو شئنا لهديناهم طوعاً أو كرهاً، والظاهر أن جملة الإشفاق في موضع حال من اسم الإشارة كما أن الآية التي بعدها في موضع الحال منها، أي نحن نشير إلى الآيات المبينة لمرادنا فيهم والحال أنك- لمزيد حرصك على نفعهم -بحال يشفق فيها عليك من لا يعلم الغيب من أن تقتل نفسك غمّاً لإبائهم الإيمان والحال أنا لو شئنا أتيناهم بما يقهرهم ويذلهم للإيمان وغيره.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبعد هذا التنبيه يبدأ في مخاطبة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الذي يهمه أمر المشركين ويؤذيه تكذيبهم له وللقرآن الكريم؛ فيسليه ويهون عليه الأمر؛ ويستكثر ما يعانيه من أجلهم؛ وقد كان الله قادرا على أن يلوي أعناقهم كرها إلى الإيمان، بآية قاهرة تقسرهم عليه قسرا: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين! إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين). وفي التعبير ما يشبه العتب على شدة ضيقه [صلى الله عليه وسلم] وهمه بعدم إيمانهم: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين).. وبخع النفس قتلها. وهذا يصور مدى ما كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعاني من تكذيبهم، وهو يوقن بما ينتظرهم بعد التكذيب، فتذوب نفسه عليهم -وهم أهله وعشيرته وقومه- ويضيق صدره.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حُوّل الخطاب من توجيهه إلى المعاندين إلى توجيهه للرسول عليه الصلاة والسلام. والكلام استئناف بياني جواباً عما يثيره مضمون قوله: {تلك آيات الكتاب المبين} [الشعراء: 2] من تساؤل النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه عن استمرار إعراض المشركين عن الإيمان وتصديق القرآن كما قال تعالى: {فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} [الكهف: 6]، وقوله: {فلا تَذْهَب نفسُك عليهم حسرات} [فاطر: 8].

و (لعلّ) إذا جاءت في ترجّي الشيء المخوف سميت إشفاقاً وتوقعاً. وأظهر الأقوال أن الترجي من قبيل الخبر، وأنه ليس بإنشاء مثلَ التمني.

والترجي مستعمل في الطلب، والأظهر أنه حثّ على ترك الأسف من ضلالهم على طريقة تمثيل شأن المتكلم الحاثّ على الإقلاع بحال من يستقرب حصول هلاك المخاطب إذا استمر على ما هو فيه من الغم.

والباخع: القاتل. وحقيقة البخع إعماق الذبح. يقال: بَخَع الشاة، قال الزمخشري: إذا بلغ بالسكين البِخَاع بالموحدة المكسورة وهو عِرق مستبطن الفَقار، كذا قال في « الكشاف» هنا وذكره أيضاً في « الفائق». وقد تقدم ما فيه عند قوله تعالى: {فلعلّك باخع نفسك على آثارهم} في سورة الكهف (6). وهو هنا مستعار للموت السريع، والإخبار عنه ب {باخع} تشبيه بليغ. وفي {باخع} ضمير المخاطب هو الفاعل.

و {أن لا يكونوا} في موضع نصب على نزع الخافض بعد (أنْ) والخافض لام التعليل، والتقدير: لأن لا يكونوا مؤمنين، أي لانتفاء إيمانهم في المستقبل، لأنّ (أن) تخلص المضارع للاستقبال. والمعنى: أنَّ غمك من عدم إيمانهم فيما مضى يوشك أن يوقعك في الهلاك في المستقبل بتكرر الغم والحزن، كقول إخوة يوسف لأبيهم لما قال {يا أسفا على يوسف} [يوسف: 84] فقالوا: {تالله تفتؤ تَذكرُ يوسف حتى تكونَ حَرَضاً أو تكون من الهالكين} [يوسف: 85]؛ فوزان هذا المعنى وزان معنى قوله في سورة الكهف (6) {فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً}، فإن (إن) الشرطية تتعلق بالمستقبل. ويجوز أن يجعل {أن لا يكونوا} في موضع الفاعل ل {باخِع} والجملة خبر (لَعلّ). وإسناد {باخع} إلى {أن لا يكونون مؤمنين} مجاز عقلي لأن عدم إيمانهم جُعل سبباً للبخع.

وجيء بمضارع الكون للإشارة إلى أنه لا يأسف على عدم إيمانهم ولو استمر ذلك في المستقبل فيكون انتفاؤه فيما مضى أولى بأن لا يؤسف له.

وحذف متعلق {مؤمنين}؛ إما لأن المراد مؤمنين بما جئتَ به من التوحيد والبعث وتصديق القرآن وتصديق الرسول، وإما لأنه أريد بمؤمنين المعنى اللَّقبي، أي أن لا يكونوا في عداد الفريق المعروف بالمؤمنين وهم أمة الإسلام. وضمير {أن لا يكونوا} عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وعُدل عن: أن لا يؤمنوا، إلى {أن لا يكونوا مؤمنين} لأن في فعل الكون دلالة على الاستمرار زيادة على ما أفادته صيغة المضارع، فتأكّد استمرار عدم إيمانهم الذي هو مورد الإقلاع عن الحزن له. وقد جاء في سورة الكهف (6) {فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث} بحرف نفي الماضي وهو (لم) لأن سورة الكهف متأخرة النزول عن سورة الشعراء فعدم إيمانهم قد تقرر حينئذ وبلغ حدّ المأيوس منه.

وضمير {يكونوا} عائد إلى معلوم من مقام التحدّي الحاصل بقوله: {طسم تلك آيات الكتاب المبين} [الشعراء: 1، 2] للعلم بأن المتحدَّيْن هم الكافرون المكذبون.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} البخوع هو إهلاك النفس عن وجد، وهذه هي اللفتة الإِلهية الموحية التي تلمس قلب النبي بالحنان والعطف في ما كان يستشعره من الألم العميق الذي يأكل روحه، لأنه ينظر إلى مستقبل هؤلاء الناس، فيرى فيه أكثر من مشكلةٍ تتحدى سلامهم الروحي وأمنهم المادي، في ما هو القلق الذي يفترس اطمئنانهم، والحيرة التي تأكل حياتهم، والضياع الذي يهدّد نجاتهم، فيتألم لهم لأنهم ابتعدوا عن خط الإيمان الذي هو مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، ويتعمق الألم في داخله، من موقع الرحمة في قلبه، وحركة المسؤولية في روحه وفكره، حتى ليخيّل للناظر إليه والمطلع عليه، أنه يكاد أن يهلك حزناً وأسفاً. ولهذا خاطبه الله بأسلوب الترجي الذي يوحي بقرب حدوث ذلك، أو بإمكانه.

وقد توحي هذه الكلمات للنبيّ بأن عليه أن لا يأخذ المسألة مأخذ الأهمية القصوى بالمستوى الذي يضغط على حياته، بل ينبغي له أن يتقبلها بشكل طبيعيٍّ، لأنه قد بذل كل جهده في هدايتهم، ولأن الرفض الذي يواجه به، ليس رفضاً له بصفته الذاتية، بل بصفته الرسالية، ما يجعل القضية موجهةً إلى الله سبحانه؛ ولأنهم قد اختاروا الكفر بعد إقامة الحجة عليهم، في وضوح الرسالة، فلم يكفروا من موقع غموضٍ أو شبهةٍ، فلا حجة لهم في ذلك. وإذا كان النبي ينطلق في شعوره العميق بالألم من موقع النصرة لله، فإن الله قادر على أن يهلكهم جميعاً، على أساس قدرته المطلقة، ولكن حكمته في تنظيم حركة الناس في الإيمان والكفر، جعلته يؤخرهم إلى أجل مسمَّى، فلا ضعف في الموقف، بل هي القوة التي لا تخاف الفوت.