روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ} (2)

وقوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق } بيان لكونه نازلاً بالحق وتوطئة لما يذكر بعد . وفي «إرشاد العقل السليم » أنه شروع في بيان المنزل إليه وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل وكونه من عند الله تعالى ، وإياً ما كان لا يتكرر مع ما تقدم ، نعم كان الظاهر على تقدير كون المراد بالكتاب هناك القرءان الإتيان بضميره ههنا إلا أنه أظهر قصداً إلى تعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنه .

وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن الكتاب الأول عام لجميع ما تنزل من عند الله تعالى والكتاب الثاني خاص بالقرآن فكأنه أخبر إخباراً مجرداً أن الكتب الهادية الشارعة تنزيلها من الله عز وجل وجعله توطئة لقوله سبحانه . { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب } اه وهو كما ترى ، والباء متعلقة بالإنزال وهي للسببية أي أنزلناه بسبب الحق أي إثباته وإظهاره أو بمحذوف وقع حالاً من المفعول وهي للملابسة أي أنزلناه ملتبساً بالحق والصواب ، والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتماً ، وجوز كون المحذوف حالاً من الفاعل أي أنزلناه ملتبسين بالحق أي في ذلك ، والفاء في قوله تعالى : { فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين } لترتيب الأمر بالعبادة على إنزال الكتاب إليه عليه الصلاة والسلام بالحق أي فاعبده تعالى ممحضاً له الدين من شوائب الشرك والرياء حسبما بين في تضاعيف ما أنزل إليك ، والعدول إلى الاسم الجليل مما يلائم هذا الأمر أتم ملاءمة . وقرأ ابن أبي عبلة { الدين } بالرفع كما رواه الثقاة فلا عبرة بإنكار الزجاج ، وخرج ذلك الفراء على أنه مبتدأ خبره الظرف المقدم للاختصاص أو لتأكيده . واعترض بأنه يتكرر مع قوله تعالى : { أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص } .

ومن باب الإشارة : في بعض الآيات : { فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين } [ الزمر : 2 ] أي اعبده تعالى بنفسك وقلبك وروحك مخلصاً ، وإخلاص العبادة بالنفس التباعد عن الانتقاص ، وإخلاص العبادة بالقلب العمى عن رؤية الأشخاص ، وإخلاص العبادة بالروح نفي طلب الاختصاص . وذكر أن المخلص من خلص بالجود عن حبس الوجود .