السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ} (2)

{ إنا } أي : بما لنا من العظمة { أنزلنا عليك } يا أشرف الخلق خاصة بواسطة جبريل الملك { الكتاب } أي : القرآن الجامع لكل خير وقوله تعالى : { بالحق } يجوز أن يتعلق بالإنزال أي : بسبب الحق وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب أي : ملتبسين بالحق أو ملتبساً بالحق والصدق والصواب ، والمعنى : أن كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف فهو حق يجب العمل به ، وفي قوله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب } تكرير تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافاً إنزاله إلى المعظم نفسه ، فإن قيل : لفظ تنزيل يشعر بأنه تعالى أنزله نجماً نجماً على وفق المصالح على سبيل التدريج ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله دفعة واحدة . أجيب : بأن طريق الجمع أن يقال : إنا حكمنا حكماً كلياً بأنا نوصل إليك هذا الكتاب وهذا هو الإنزال ثم أوصلناه إليك نجماً نجماً على وفق المصالح .

ولما بين تعالى أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق أردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق ، وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص فقال سبحانه وتعالى : { فاعبد الله } أي : الحائز لجميع صفات الكمال حال كونك { مخلصاً له الدين } أي : ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر .