البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ} (2)

والكتاب الثاني هو القرآن ، لا يحتمل غير ذلك .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بالكتاب ؟ قلت : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن ، وعلى الثاني أنه السورة . انتهى .

وبالحق في موضع الحال ، أي ملتبساً بالحق ، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف ، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل به ، أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند الله ، وهو عجز الفصحاء عن معارضته .

وقال ابن عطية : أي متضمناً الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره ، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله .

انتهى ملخصاً .

ولما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق ، وكان الحق إخلاص العبادة لله ، أمره تعالى بعبادته فقال : { فاعبد الله } ، وكأن هذا الأمر ناشىء عن إنزال الكتاب ، فالفاء فيه للربط ، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره .

{ مخلصاً } : أي ممحضاً ، { له الدين } : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده .

وقرأ الجمهور : الدين بالنصب .

وقرأ ابن أبي عبلة : بالرفع فاعلاً بمخلصاً ، والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين ، أي الدين منك ، أو يكون أل عوضاً من الضمير ، أي دينك .

وقال الزمخشري : وحق من رفعه أن يقرأ مخلصاً بفتح اللام ، كقوله تعالى : { وأخلصوا دينهم لله } حتى يطابق قوله : { ألا لله الدين الخالص } ، والخالص والمخلص واحد ، إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي ، كقولهم : شعر شاعر .

وأما من جعل مخلصاً حالاً من العابد ، وله الدين مبتدأ وخبر ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين ، أي لله الدين الخالص . انتهى .

وقد قدمنا تخريجه على أنه فاعل بمخلصاً ، وقدرنا ما يربط الحال بصاحبها ، وممن ذهب إلى أن له الدين مستأنف مبتدأ وخبر الفراء .