قوله : { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق } اعلم أن لفظ «تنزيل » يُشْعِرُ بأنه تعالى أنزله نجماً نجما على سبيل التدريج ، ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله دفعة واحدة ، وطريق الجمع أن يقال : إنا حكمنا حكما كلياً بأن نوصل إليك هذا الكتاب وهذا الإنزال ثم أوصلنا إليك نَجْماً نجماً على وَفْق المصالح . وهذا هو التنزيل .
قوله : { بالحق } يجوز أن يتعلق " بالإنزال " أي بِسَبِبِ الحق وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب أي ملتبسين بالحق أو ملتبساً بالحَقّ والصِّدْق والصواب ، والمعنى كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمَعَاد وأنواع التكاليف فهو حق يجب العمل به وفي قوله : { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب } تكرير تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافاً إنزاله إلى المعظم نفسه .
قوله : { فاعبد الله مُخْلِصاً } لما بين أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق وأردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله على سبيل الإخلاص فقال : فَاعْبُد اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ، فقوله : «مُخْلِصاً لَهُ » حال من فاعل «فاعبدْ »و «الدينَ » منصوب باسم الفاعل ، والفاء في «فاعبدْ » للربط ، كقولك : «أحْسَنَ إِليكَ فلانٌ فاشْكُرْهُ » والعامة على نصب «الدين » ، وقرأ ابن أبي عبلة برِفعِهِ ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع بالفاعلية رافعهُ «مخلصاً » . وعلى هذا فلا بد من تجوز وإضمار ، أما التجوز فإسناد الإخلاص للدين وهو لصاحبه في الحقيقة ونظيره قولهم : شِعْرُ شَاعِرٍ ، وأما الإضمار فهو إضمارٌ عائد على ذِي الحال ، أي مخلصاً له الدين منك ، هذا رأي البصريين في مثل هذا ، وأما الكوفيون فيجوز أن يكون عندهم «أل » عوضاً عن الضمير أي مُخْلِصاً دينُك .
قال الزمخشري : وحقّ لمن رفعه أن يقرأ مُخْلَصاً - بفتح اللام - لقوله تعالى : { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } [ النساء : 146 ] حتى يطابق قوله : { أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص } والخالِصُ والمُخْلصَ واحد إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي كقولهم : «شِعْرُ شَاعِرٍ » .
الثاني : أنْ يتم الكلام على «مُخْلِصاً » وهو حال من فاعل «فَاعْبُدْ » ، و «لَهُ الدِّين » مبتدأ وخبر ، وهو قول الفراء . وقد ردَّه الزمخشري وقال : فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لِلّه الدين ألا لله الدين الخالص . قال شهاب الدين : وهذا الذي ذكره الزمخشري لا يظهر فيه ردٌّ على هذا الإعراب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.