روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

{ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } جعله بعضهم تكراراً لما تقدم للتأكيد والمبالغة وهو ظاهر إذا كان المراد من التوبة هناك وهنا شيئاً واحداً ، وأما إذا فسر { يَتُوبُ } أولاً : بقبول التوبة والإرشاد مثلاً ، وثانياً : بأن يفعلوا ما يستوجبون به القبول فلا يكون تكراراً ، وأيضاً إنما يتمشى ذلك على كون { لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] مفعولاً وإلا فلا تكرار أيضاً لأن تعلق الإرادة بالتوبة في الأول : على جهة العلية ، وفي الثاني : على جهة المفعولية وبذلك يحصل الاختلاف لا محالة { وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات } يعني الفسقة لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاش عنها فكأنهم بأنهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها فهو استعارة تمثيلية ، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له لا لها . وروي هذا عن ابن زيد ، وأخرج مجاهد عن ابن عباس أنهم الزناة ، وأخرج ابن جرير عن السدي أنهم اليهود والنصارى ، وقيل : إنهم اليهود خاصة حيث زعموا أن الأخت من الأب حلال في التوراة ، وقيل : إنهم المجوس حيث كانوا يحلون الأخوات لأب لأنهم لم يجمعهم رحم ، وبنات الأخ والأخت قياساً على بنات العمة والخالة بجامع أن أمهما لا تحل ، فكانوا يريدون أن يضلوا المؤمنين بما ذكر ، ويقولون : لم جوزتم تلك ولم تجوزوا هذه ؟ا فنزلت ، وغوير بين الجملتين ليفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الزائغين { أَن تَمِيلُواْ } عن الحق بموافقتهم فتكونوا مثلهم ، وعن مجاهد أن تزنوا كما يزنون . وقرىء بالياء التحتانية فالضمير حينئذ للذين يتبعون الشهوات { مَيْلاً عَظِيماً } بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندرة ، واعترف بأنها خطيئة ولم يستحل .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } تكرار لما تقدم إيذاناً بمزيد الاعتناء به لأنه غاية المراتب { وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات } أي اللذائذ الفانية الحاجبة عن الوصول إلى الحضرة { أَن تَمِيلُواْ } إلى السوي { مَيْلاً عَظِيماً } [ النساء : 27 ] لتكونوا مثلهم .