قوله تعالى : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } زعم بعضهم أنَّ [ في ] قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } تكريراً لقوله { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } المعطوف على التّبيين .
قال عطيَّةُ{[7550]} : وتكرار إرادة اللَّه تعالى التَّوبة على عباده تقوية للإخبار الأوَّل وليس القصد في الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشَّهوات فقدمت إرادة اللَّه تَوْطِئة مُظْهِرَةً لفسادِ إرادة مُبتغي الشَّهَوَاتِ ، وهذا الذي قاله إنَّمَا يتمشّى على أنَّ المجرور باللامِ في قوله { لِيُبَيِّنَ } مفعول به للإرادة لا على كونه علّةً ، وقد تقدَّمَ أنَّ ذلك قول الكوفيِّين ، وهو ضعيفٌ ، وقد ضعَّفه هو أيضاً ، إذا تقرر هذا فنقول : لا تكرار في الآية ؛ لأن تعلّق الإرادة بالتَّوبة في الأوَّلِ على جهة العِلِّيَّة ، وفي الثَّاني على جهة المفعوليَّة ، فقد اختلف المتعلقان .
وقوله { وَيُرِيدُ الَّذِينَ } بالرَّفع عطفاً على { وَاللَّهُ يُرِيدُ } عطف جملة على جملة اسميّة ، ولا يجوز أن ينصب لفساد المعنى ؛ إذ يصير التَّقدير : واللَّهُ يريدُ أن يتوب ، ويريد أن يريد الذين ، واختار الرَّاغِبُ : أنَّ الواو للحال تنبيهاً على أنَّهُ يريدُ التَّوْبَةَ عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا فخالف بَيْنَ الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى ، وتأخيره في الثَّانية ؛ ليبيّن أنَّ الثَّاني ليس على العطف ، وقد رُدَّ عليه بأنَّ إرادة اللَّهِ التَّوْبَةَ ليست مقيّدة بإرادة غيره الميل ، و [ بأن ]{[7551]} الواو باشرت المضارعَ المثبت ، وأتى بالجملة الأولى اسميّة دلالة على الثَّبوت ، وبالثَّانية فعلية دلالة على الحدوث{[7552]} .
فصل في تحليل المجوس لما حرم الله تعالى
قيل : إنَّ المجوسَ كانوا يحلُّون الأخوات ، وبنات الإخوة والأخوات ، فلما حرمهنَّ اللَّهُ تعالى قالوا إنَّك تحلُّون بنت الخالة والعمَّةِ ، والخالةُ والعمةُ حرام عليكم فانكحوا بنات الأخ{[7553]} والأخت فنزلتْ هذه الآية .
وقال السُّدِّيُّ : المرادُ بالَّذِينَ يتبعون الشَّهوات هم اليهودُ والنَّصَارى{[7554]} .
وقال مجاهدٌ هم الزُّناةُ يريدون أن يميلوا عن الحقِّ فيزنون كما يزنون{[7555]} .
وقيل : هم جميع أهل الباطل{[7556]} .
قالت المعتزلة قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } يدلّ على أنه تعالى يريد التوبة من الكلِّ والطَّاعة من الكُلِّ .
وقال أهل السُّنَّةِ ، هذا محال ؛ لأنَّهُ تعالى علم من الفاسق أنَّهُ لا يتوب ، وعلمه بأنَّهُ لا يتوب مع توبته ضدان ، وذلك العلم ممتنعٌ الزَّوال مع وجود أحدِ الضِّدَّين ، وكانت إرادة ضدّ الآخر إرادة لما علم كونه محالاً ، وذلك محالٌ ، وأيضاً فإنَّهُ تعالى إذَا كان يريدُ التَّوْبَةَ من الكُلِّ ، ويريد الشَّيْطَانُ أن تميلوا ميلاً عظيماً ، ثم يحصلُ مراد الشَّيطان لا مراد الرحمن ، فحينئذٍ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتمُّ من نفاذ الرحمنِ في ملك نَفْسِهِ ، وذلك مُحالٌ ؛ فثبت أن قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } خطاب مع قوم معنيين حصلت هذه التَّوبة لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.