اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

قوله تعالى : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } زعم بعضهم أنَّ [ في ] قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } تكريراً لقوله { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } المعطوف على التّبيين .

قال عطيَّةُ{[7550]} : وتكرار إرادة اللَّه تعالى التَّوبة على عباده تقوية للإخبار الأوَّل وليس القصد في الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشَّهوات فقدمت إرادة اللَّه تَوْطِئة مُظْهِرَةً لفسادِ إرادة مُبتغي الشَّهَوَاتِ ، وهذا الذي قاله إنَّمَا يتمشّى على أنَّ المجرور باللامِ في قوله { لِيُبَيِّنَ } مفعول به للإرادة لا على كونه علّةً ، وقد تقدَّمَ أنَّ ذلك قول الكوفيِّين ، وهو ضعيفٌ ، وقد ضعَّفه هو أيضاً ، إذا تقرر هذا فنقول : لا تكرار في الآية ؛ لأن تعلّق الإرادة بالتَّوبة في الأوَّلِ على جهة العِلِّيَّة ، وفي الثَّاني على جهة المفعوليَّة ، فقد اختلف المتعلقان .

وقوله { وَيُرِيدُ الَّذِينَ } بالرَّفع عطفاً على { وَاللَّهُ يُرِيدُ } عطف جملة على جملة اسميّة ، ولا يجوز أن ينصب لفساد المعنى ؛ إذ يصير التَّقدير : واللَّهُ يريدُ أن يتوب ، ويريد أن يريد الذين ، واختار الرَّاغِبُ : أنَّ الواو للحال تنبيهاً على أنَّهُ يريدُ التَّوْبَةَ عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا فخالف بَيْنَ الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى ، وتأخيره في الثَّانية ؛ ليبيّن أنَّ الثَّاني ليس على العطف ، وقد رُدَّ عليه بأنَّ إرادة اللَّهِ التَّوْبَةَ ليست مقيّدة بإرادة غيره الميل ، و [ بأن ]{[7551]} الواو باشرت المضارعَ المثبت ، وأتى بالجملة الأولى اسميّة دلالة على الثَّبوت ، وبالثَّانية فعلية دلالة على الحدوث{[7552]} .

فصل في تحليل المجوس لما حرم الله تعالى

قيل : إنَّ المجوسَ كانوا يحلُّون الأخوات ، وبنات الإخوة والأخوات ، فلما حرمهنَّ اللَّهُ تعالى قالوا إنَّك تحلُّون بنت الخالة والعمَّةِ ، والخالةُ والعمةُ حرام عليكم فانكحوا بنات الأخ{[7553]} والأخت فنزلتْ هذه الآية .

وقال السُّدِّيُّ : المرادُ بالَّذِينَ يتبعون الشَّهوات هم اليهودُ والنَّصَارى{[7554]} .

وقال مجاهدٌ هم الزُّناةُ يريدون أن يميلوا عن الحقِّ فيزنون كما يزنون{[7555]} .

وقيل : هم جميع أهل الباطل{[7556]} .

فصل

قالت المعتزلة قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } يدلّ على أنه تعالى يريد التوبة من الكلِّ والطَّاعة من الكُلِّ .

وقال أهل السُّنَّةِ ، هذا محال ؛ لأنَّهُ تعالى علم من الفاسق أنَّهُ لا يتوب ، وعلمه بأنَّهُ لا يتوب مع توبته ضدان ، وذلك العلم ممتنعٌ الزَّوال مع وجود أحدِ الضِّدَّين ، وكانت إرادة ضدّ الآخر إرادة لما علم كونه محالاً ، وذلك محالٌ ، وأيضاً فإنَّهُ تعالى إذَا كان يريدُ التَّوْبَةَ من الكُلِّ ، ويريد الشَّيْطَانُ أن تميلوا ميلاً عظيماً ، ثم يحصلُ مراد الشَّيطان لا مراد الرحمن ، فحينئذٍ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتمُّ من نفاذ الرحمنِ في ملك نَفْسِهِ ، وذلك مُحالٌ ؛ فثبت أن قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } خطاب مع قوم معنيين حصلت هذه التَّوبة لهم .


[7550]:ينظر: المحرر الوجيز 2/40.
[7551]:سقط في ب.
[7552]:في أ: الحدث.
[7553]:في ب: الأخت.
[7554]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/213) عن السدي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/257) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
[7555]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/213) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/257) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
[7556]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/214) عن ابن زيد.