الميل : العدول عن طريق الاستواء .
{ والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } تعلق الإرادة أولاً بالتوبة على سبيل العلية على ما اخترناه من الأقوال ، لأن قوله : ويتوب عليكم ، معطوف على العلة ، فهو علة .
ونعلقها هنا على سبيل المفعولية ، فقد اختلف التعلقان فلا تكرار .
وكما أراد سبب التوبة فقد أراد التوبة عليهم ، إذ قد يصح إرادة السبب دون الفعل .
ومن ذهب إلى أنّ متعلق الإرادة في الموضعين واحد كان قوله : والله يريد أن يتوب عليكم تكراراً لقوله : ويتوب عليكم ، لأن قوله : ويتوب عليكم ، معطوف على مفعول ، فهو مفعول به .
قال ابن عطية : وتكرار إرادة الله للتوبة على عباده تقوية للإخبار الأول ، وليس المقصد في الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات ، فقدمت إرادة الله توطئة مظهرة لفساد متبعي الشهوات .
فاختار مذهب الكوفيين في أن جعلوا قوله : ليبين ، في معنى أن يبين ، فيكون مفعولاً ليريد ، وعطف عليه : ويتوب ، فهو مفعول مثله ، ولذلك قال : وتكرار إرادة الله التوبة على عباده إلى آخر كلامه .
وكان قد حكى قول الكوفيين وقال : وهذا ضعيف ، فرجع أخيراً إلى ما ضعفه ، وكان قد قدم أنَّ مذهب سيبويه : أنَّ مفعول : يريد ، محذوف ، والتقدير : يريد الله هذا التبيين .
والشهوات جمع شهوة ، وهي ما يغلب على النفس محبته وهواه .
ولما كانت التكاليف الشرعية فيها قمع النفس وردها عن مشتهياتها ، كان اتباع شهواتها سبباً لكل مذمّة ، وعبر عن الكافر والفاسق بمتبع الشهوات كما قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } واتباع الشهوة في كل حال مذموم ، لأن ذلك ائتمار لها من حيث ما دعته الشهوة إليه .
أما إذا كان الاتباع من حيث العقل أو الشرع فذلك هو اتباع لهما لا للشهوة .
ومتبعو الشهوات هنا هم الزناة قاله : مجاهد .
أو اليهود والنصارى قاله : السدي .
أو اليهود خاصة لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب ، أو المجوس كانوا يحلون نكاح الأخوات من الأب ، ونكاح بنات الأخ ، وبنات الأخت ، فلما حرّمهنّ الله قالوا : فإنكم تحلون بنت الخالة والعمة ، والعمة عليكم حرام ، فانكحوا بنات الأخ والأخت ، أو متبعو كل شهوة قاله : ابن زيد ، ورجحه الطبري .
وظاهره العموم والميل ، وإن كان مطلقاً فالمراد هنا الميل عن الحق ، وهو الجور والخروج عن قصد السبيل .
ولذلك قابل إرادة الله بإرادة متبعي الشهوات ، وشتان ما بين الإرادتين .
وأكد فعل الميل بالمصدر على سبيل المبالغة ، لم يكتف حتى وصفه بالعظم .
وذلك أن الميول قد تختلف ، فقد يترك الإنسان فعل الخير لعارض شغل أو لكسل أو لفسق يستلذ به ، أو لضلالة بأن يسبق له سوء اعتقاد .
ويتفاوت رتب معالجة هذه الأشياء ، فبعضها أسهل من بعض ، فوصف مثل هؤلاء بالعظم ، إذ هو أبعد الميول معالجة وهو الكفر .
كما قال تعالى : { ودوا لو تكفرون } { ويريدون أن تضلوا السبيل }
وقرأ الجمهور : أن تميلوا بتاء الخطاب .
فالضمير في يميلوا يعود على الذين يتبعون الشهوات .
وقرأ الجمهور : ميلاً بسكون الياء .
وقرأ الحسن : بفتحها ، وجاءت الجملة الأولى اسمية ، والثانية فعلية لإظهار تأكيد الجملة الأولى ، لأنها أدل على الثبوت .
ولتكرير اسم الله تعالى فيها على طريق الإظهار والإضمار .
وأما الجملة الثانية فجاءت فعلية مشعرة بالتجدد ، لأن أرادتهم تتجدد في كل وقت .
والواو في قوله : ويريد للعطف على ما قررناه .
وأجاز الراغب أن تكون الواو للحال لا للعطف ، قال : تنبيهاً على أنه يريد التوبة عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا ، فخالف بين الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى ، وتأخيره في الجملة الثانية ، ليبين أنَّ الثاني ليس على العطف انتهى .
وهذا ليس بجيد ، لأنّ إرادته تعالى التوبة علينا ليست مقيدة بإرادة غيره الميل ، ولأنّ المضارع باشرته الواو ، وذلك لا يجوز ، وقد جاء منه شيء نادر يؤوّل على إضمار مبتدأ قبله ، لا ينبغي أن يحمل القرآن عليه ، لا سيما إذا كان للكلام محمل صحيح فصيح ، فحمله على النادر تعسف لا يجوز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.