روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

{ وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة } جملة مستأنفة سيقت لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد والرب عز وجل ترغيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر على أذية المشركين ومقابلة إساءتهم بالإحسان ، والحكم عام أي لا تستوي الخصلة الحسنة والسيئة في الآثار والأحكام ، و { لا } الثانية مزيدة لتأكيد النفي مثلها في قوله تعالى : { وَلاَ الظل وَلاَ الحرور } [ فاطر : 21 ] لأن استوى لا يكتفي بمفرد وقوله تعالى : { ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ } استئناف مبين لحسن عاقبة الحسنة أي ادفع السيئة حيث اعترضتك من بعض أعاديك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات كالإحسان إلى من أساء فإنه أحسن من مجرد العفو فأحسن على ظاهره والمفضل عليه عام ولذا حذف كما في الله تعالى أكبر ، وإخراجه مخرج الجواب عن سؤال من قال : كيف أصنع ؟ للمبالغة والإشارة إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه ، وللمبالغة أيضاً وضع { أَحْسَنُ } موضع الحسنة لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه ، ومما ذكرنا يعلم أن ليس المراد بالحسنة والسيئة أمرين معينين . وعن علي كرم الله تعالى وجهه الحسنة حب الرسول وآله عليهم الصلاة والسلام والسيئة بغضهم ، وعن ابن عباس الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك ، وقال الكلبي : الدعوتان إليهما ، وقال الضحاك : الحلم والفحش ، وقيل : الصبر ، وقيل : المدارة والغلظة ، وقيل غير ذلك ، ولا يخفى أن بعض المروي يكاد لا تصح إرادته هنا فلعله لم يثبت عمن روى عنه ، وجوز أن يكون المراد بيان تفاوت الحسنات والسيئات في أنفسهما بمعنى أن الحسنات تتفاوت إلى حسن وأحسن والسيئات كذلك فتعريف الحسنة والسيئة للجنس و { لا } الثانية ليست مزيدة وأفعل على ظاهره ، والكلام في { ادفع } الخ على معنى الفاء أي إذا كان كل من الجنسين متفاوت الافراد في نفسه فادفع بأحسن الحسنتين السيء والأسوأ ، وترك الفاء للاستئناف الذي ذكرنا وهو أقوى الوصلين ولعل الأول أقرب { فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } بيان لنتيجة الدفع المأمور به أي فإذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق . قال ابن عطية : دخلت { كَانَ } المفيدة للتشبية لأن العدو لا يعدو ولياً حميماً بالدفع بالتي هي أحسن وإنما يحسن ظاهره فيشبه بذلك الولي الحميم ؛ ولعل ذلك من باب الاكتفاء بأقل اللازم وهذا بالنظر إلى الغالب وإلا فقد تزول العداوة بالكلية بذلك كما قيل

. إن العداوة تستحيل مودة *** بتدارك الهفوات بالحسنات

و { الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } أبلغ من عدوك ولذا اختير عليه مع اختصاره ، والآية قيل : نزلت في أبي سفيان ابن حرب كان عدواً مبيناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصار عند أهل السنة ولياً مصافياً وكأن ما عنده انتقل إلى ولد ولده يزيد عليه من الله عز وجل ما يستحق .

ومن كلمات القوم في الآيات :

{ وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة } وهي التوجه إلى الله تعالى بصدق الطلب وخلوص المحبة { وَلاَ السيئة } وهي طلب السوى والرضا بالدون { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } وهي طلب الله تعالى طلب ما سواه سبحانه { فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } وهو النفس الأمارة بالسوء { كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] لتزكي النفس عن صفاتها الذميمة وانفطامها عن المخالفات القبيحة